هذا ما لا شك فيه ، فكل هذه براهين واضحة بأنها محرّفة مبدّلة مكذوبة ، فإذ هي كذلك فلا يجوز البتة في عقل أحد أن يشهد في تصحيح شريعة ، ولا في نقل معجزة ، ولا في إثبات نبوة ، بنقل مكذوب مفترى موضوع. هذا ما لا شك فيه.
وقد قلنا أو نقول : إنّ نقل اليهود فاسد مدخول ، لأنه راجع إلى قوم اتبعوا من أخرجهم من الذل والبلاء والسخرة والخدمة في عمل الطوب ، وذبح أولادهم عند الولادة ، ومن حال لا يصير عليها كلب مطلق ، ولا حمار مسيب إلى العزّ ، والراحة ، والعافية ، والتملك للأموال ، وأن يكونوا آمرين مخدومين ، آمنين على أولادهم وأنفسهم. ولا ينكر في مثل هذا الحال أن يشهد المخلص للمخلص بكل ما يريد منه.
ومع هذا كله فإنّ اتباعهم «لموسى» عليهالسلام الذي أخرجهم من تلك الحالة إلى هذه الأخرى وطاعتهم له كانت مدخولة ضعيفة مضطربة.
وقد ذكر في نص توراتهم : أنهم إذ عملوا العجل نادوا هذا إله «موسى» الذي يخلصهم من «مصر».
ومرة أخرى أرادوا قتله ، وتصايحوا : قدّم على أنفسنا قائدا ونرجع إلى مصر ، ومع هذا كله قولهم : إن السحرة عملوا مثل كثير مما عمل موسى ، وأن كل ذلك بيان ممكن بصناعة معروفة ، وفي هذا كفاية.
وهم مقرون بلا خلاف من أحد منهم : أنه لم يتبع «موسى» أمة سواهم ، ولا نقلت لهم معجزة طائفة غيرهم ، وأمّا النصارى : فعنهم أخذوا نبوّة موسى ومعجزاته ، وأما سائر الأمم والملل ، كالمجوس والفرس والصابئين ، والسريانيين ، والمانية ، والسمنية ، والبراهمة ، والهند والصين ، والترك ـ فلا ، أصلا. ولا على أديم الأرض مصدق بنبوة «موسى» وبالتوراة التي بأيديهم إلا هم ، ومن هو شعبة منهم كالنصارى.
وأمّا نحن ـ المسلمين ـ فإنما قبلنا نبوة «موسى» ، و «هارون» ، و «داود» و «سليمان» ، و «إلياس» و «اليشع» عليهمالسلام ، وصدقنا بذلك وآمنا بهم ، وأنّ «موسى» الذي أنذر «بمحمد» صلىاللهعليهوسلم لإخبار رسول الله صلىاللهعليهوسلم بصحة نبوتهم ، ومعجزاتهم فقط ، ولو لا إخباره عليهالسلام بذلك ما كانوا عندنا إلا «كشموال» ، و «إيراث» ، و «حداث» ، و «حقاي» ، و «حبقوق» ، و «عدوا» ، و «يؤال» ، و «عاموص» ، و «عوبديا» ، و «ميسخا» ، و «ناحوم» ، و «صفينا» ، و «ملاخى» وسائر من تقر اليهود بنبوتهم ، كإقرارهم بنبوة «موسى» سواء بسواء ، ولا فرق بين طرق نقلهم لنبوة جميعهم ، ونحن لا نصدق نقل اليهود في شيء من ذلك ، بل نقول : إنه قد كان لله تعالى أنبياء في «بني إسرائيل» أخبر بذلك الله تعالى