النص في كتاب «يوشع» المذكور على سبيل الإنذار أصلا ، إنما مساقه ـ بلا خلاف منهم ـ مساق الإخبار عما قد مضى. وفيه قصة بشيعة جدّا ، وهي أن «عخار» بن «كرمى» بن «شذان» بن «شيلة» بن «يهوذا» بن «يعقوب» عليهالسلام غلّ (١) من المغنم (٢) خيطا أرجوانا ، وحقّ (٣) ذهب فيه خمسون مثقالا ، ومائتا درهم فضة ، فأمر «يوشع» برجمه ، ورجم بنيه ، ورجم بناته حتى يموتوا كلهم بالحجارة ، وأمر بإحراق مواشيه كلها ، وحاشا لله أن يحكم نبي بهذا الحكم فيعاقب بأغلظ العقوبة من لا ذنب له من ذرية لم تجن شيئا بجناية أبيهم ، مع أن نصّ التوراة : لا يقتل الأب بذنب الابن ، ولا الابن بذنب الأب. فلا بدّ ضرورة من أن يقولوا نسخ «يوشع» هذا الحكم ، فيثبتوا النسخ من نبي لشريعة نبي قبله ، وفي شريعة «موسى» أيضا ، أو ينسبوا الظلم وخلاف أمر الله إلى «يوشع» فيجعلوه ظالما عاصيا لله مبدلا لأحكامه ، وما فيها حظ لمختار منهم. وبالله تعالى التوفيق.
وفيه : أن كل من دخل من بني إسرائيل الأرض المقدسة ، فإنهم كانوا مختونين ، وفيه أبناء تسعة وخمسين عاما ، وأقل ، وأن «موسى» عليهالسلام لم يختن ممن ولد بعد خروجه من مصر أحدا ، هذا مع إقرارهم أن الله تعالى شدّد في الختان ، وقال : «من لم يختتن في يوم أسبوع ولادته فلتنف نفسه من أمته» بمعنى : فليقتل.
فكيف يضيع «موسى» هذه الشريعة الوكيدة؟ حتى يختنهم كلهم «يوشع» بعد موت «موسى» بدهر؟
ولقد فضحت بهذا وجه بعض علمائهم. فقال لي : كانوا في التيه في حل وارتحال ، فقلت له : فكان ما ذا؟ فكيف وليس كما تقولون؟ بل كانوا يبقون المدة الطويلة في مكان واحد. في نص كتاب «يوشع» بزعمكم : أنه إنما ختنهم إذ جازوا الأردن قبل الشروع في الحرب ، وفي أضيق وقت ، وختنهم كلهم حينئذ ، وهم رجال كهول ، وشبان ، وتركوا الختان إذ لا مئونة في ختانهم أطفالا تحمله أمة مختونا كما تحمله غير مختون ، ولا فرق ، فسكت منقطعا.
__________________
(١) كذا في الأصل. والذي في كتب اللغة : أغلّ : خان في المغنم وغيره. انظر المعجم الوسيط : ص ٦٥٩.
(٢) كانت في الأصل «الغنم». والصواب ما أثبتناه.
(٣) الحقّ : وعاء صغير ذو غطاء يتخذ من عاج أو زجاج أو غيرهما (المعجم الوسيط : ص ١٨٨).