قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : وإن دين اليهود ليميل إلى هذا ميلا شديدا ، لأنه ليس في توراتهم ذكر المعاد أصلا ، ولا الجزاء بعد الموت. وهذا مذهب الدّهرية بلا كلفة ، فقد جمعوا الدّهرية ، والشكّ ، والتشبيه ، وكل حمق في العالم ، على أن فيه بما أطلعهم الله على تبديل ما شاء رفعه من كتابهم ، وكف أيديهم عما شاء إبقاءه حجة لنا عليهم ، ومعجزة لنبينا صلىاللهعليهوسلم.
وفي المزمور الحادي والستين منه : «أن العرب وبني سبأ يؤدون إليه المال ويتبعونه ، وأن الدم يكون له عنده ثمن». وهذه صفة الدّية التي ليست إلّا في ديننا. وفيه أيضا : «ويظهر من المدينة» هكذا نصا. وهذا إنذار بيّن برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
وأمّا الكتب التي يضيفونها إلى «سليمان» عليهالسلام ، فهي ثلاثة :
أحدها : يسمى «شارهسير» ثم معناه شعر الأشعار ، وهو على الحقيقة هوس الأهواس ، لأنه كلام أحمق لا يعقل ، ولا يدري أحد منهم مراده ، إنما هو مرة يتغزل بمذكر ، ومرة يتغزل بمؤنث ، ومرة يأتي منه بلغم لزج بمنزلة ما يأتي به المصدوع والذي فسد دماغه. وقد رأيت بعضهم يذهب إلى أنه رموز على الكيمياء ، وهذا وسواس آخر ظريف.
والثاني : يسمى : «مثلا معناه الأمثال» ، فيه مواعظ ، وفيه أن قال قبل أن يخلق الله شيئا في البدء من الأبد : أنا صرت. ومن القديم قبل أن تكون الأرض ، وقبل أن تكون النجوم : أنا قد كنت استلمت ، وقد كنت ولدت ، وليس كان خلق الأرض بعد ، ولا الأنهار ، وإذ خلق الله السماوات قد كنت حاضرا ، وإذ كان يجعل للنجوم حدّا صحيحا ، ويدق بها ، وكان يوثق السماوات في العلو ، ويقدر عيون المياه ، وإذ كان يحدق على البحر بتخمة ، ويجعل للمياه تخما (١) لئلا تجاوز جوزها ، وإذ كان يعلق أساسات الأرض ، أنا معه كنت مهيئا للجميع.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فهل في الملحدة أكثر من هذا؟ وهل يضاف هذا الحمق إلى رجل معتدل؟ فكيف إلى نبي مرسل؟ وهل هذا الإشراك صحيح؟ وحاشا لله أن يقول «سليمان» عليهالسلام هذا الكلام. وتالله ما غبط أهل الإلحاد بإلحادهم إلّا هذا ومثله. ورأيت بعضهم يخرج هذا على أنه إنما أراد علم الله تعالى.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : ولا يعجز من لا حياء له عن أن يقلب كل
__________________
(١) التّخم : الحدّ الفاصل بين أرضين ، جمعها : تخوم (المعجم الوسيط : ص ٨٣).