أيديهم على قتل من أراد كرامته بذلك من الأنبياء الذين قتلوهم بأنواع المثل ، وكفّ أيديهم عما شاء إبقاءه من ذينك الكتابين حجة عليهم ، كما كف أيديهم الله تعالى عمن أراد أيضا كرامته بالنصر من أنبيائه الذين حال بين الناس وبين أذاهم ، وقد أغرق الله تعالى قوم نوح عليهالسلام ، وقوم فرعون نكالا لهم ، وأغرق آخرين شهادة لهم ، وأملى لقوم ليزدادوا إثما ، وأملى لقوم آخرين ليزدادوا فضلا وهذا ما لا ينكره أحد من أهل الأديان جملة ، وكان ما ذكرناه زيادة في أعلام النبي صلىاللهعليهوسلم الواضحة ، وبراهينه اللائحة ، والحمد لله رب العالمين. فبطل اعتراضهم علينا باستشهادنا عليهم بما في كتبهم المحرفة من ذكر نبينا صلىاللهعليهوسلم ، وأما استشهاد رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالتوراة في أمر رجم الزاني المحصن ، وضرب «ابن سلام» رضي الله عنه يد «ابن صوريا» إذ جعلها على آية الرجم فحق ، وهو مما قلناه آنفا : إن الله تعالى أبقاه خزيا لهم وحجة عليهم ، وإنما يحتج عليهم بهذا كله بعد إثبات رسالته صلىاللهعليهوسلم بالبراهين الواضحة الباهرة بالنقل القاطع للعذر على ما قد بينا ونبين إن شاء الله تعالى. ثم نورد ما أبقاه الله تعالى في كتبهم المحرّفة من ذكره عليهالسلام إخزاء لهم وتبكيتا وفضيحة لضلالهم ، لا لحاجة منا إلى ذلك أصلا ، والحمد صلىاللهعليهوسلم رب العالمين.
وأما الخبر بأن النبي عليهالسلام أخذ التوراة وقال : «آمنت بما فيك» فخبر مكذوب ، موضوع ، لم يأت قط من طرق فيها خير ، ولسنا نستحل الكلام في الباطل لو صح ، فهو من التكلف الذي نهينا عنه ، كما لا يحل توهين الحق ، ولا الاعتراض فيه.
وأما قول الله عزوجل : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لَسْتُمْ عَلى شَيْءٍ حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [سورة المائدة : ٦٨].
فحق لا مرية فيه ، وهكذا نقول ، ولا سبيل لهم إلى إقامتهما أبدا لرفع ما أسقطوا منهما ، فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم. فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل ، كلهم يؤمنون حينئذ بما أنزل منهما وجد ، أو عدم ، ويكذبون بما بدّل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما ، وهذه هي إقامتهما حقا ، فلاح صدق قولنا موافقا لنص الآية بلا تأويل ، والحمد لله رب العالمين.
وأما قوله تعالى : (قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [آل عمران : ٩٣] فنعم إنما هي في كذب كذبوه ونسبوه إلى التوراة على جاري عادتهم زائد على الكذب الذي وضعه أسلافهم في توراتهم ، فبكّتهم عليهالسلام في ذلك الكذب المحدث بإحضار التوراة إن كانوا صادقين فظهر كذبهم.