وسبعين سنة ولد له تارح ، وأن عمر ناحور كله كان مائتي عام وثمانية أعوام ، ففي هذا الفصل بين الطائفتين تكاذب في موضعين :
أحدهما : عمر ناحور كله ، والثاني : سن ناحور إذ ولد له تارح. وفي التوراة عند اليهود كما ذكرنا أن تارح كان عمره كله مائتي عام وخمسة أعوام ، وعند النصارى كلهم أن تارح كان عمره كله مائتي عام وثمانية أعوام.
قال أبو محمد : فتولد بين الطائفتين من الاختلاف المذكور زيادة ألف عام وثلاثمائة عام وخمسين عاما عند النصارى في تاريخ الدنيا على ما هو عند اليهود في تاريخها ، وهي تسعة عشر موضعا كما ذكرنا فوضح اختلاف التوراة عندهم.
ومثل هذا من التكاذب لا يجوز أن يكون من عند الله عزوجل أصلا ، ولا من قول نبي البتة ، ولا من قول صادق عالم من عرض الناس ، فبطل بهذا بلا شك أن تكون التّوراة وتلك الكتب منقولة نقلا يوجب صحة العلم ، لكن نقلا فاسدا مدخولا مضطربا. ولا بدّ للنصارى ضرورة من أحد خمسة أوجه ، لا مخرج لهم عن أحدها :
إما أن يصدقوا نقل اليهود للتوراة وأنها صحيحة عن موسى عليهالسلام عن الله تعالى ولكتبهم وهذه طريقتهم في الحجاج والمناظرة ، فإن فعلوا فقد أقرّوا على أنفسهم وعلى أسلافهم الذين نقلوا عنهم دينهم بالكذب ، إذ خالفوا قول الله عزوجل وقول موسى عليهالسلام. أو يكذبوا موسى في ما نقل عن الله تعالى وهم لا يفعلون ذلك. أو يكذبوا نقل اليهود للتوراة ولكتبهم ، فيبطل تعلقهم بما في تلك الكتب مما يقولون إنه إنذار بالمسيح عليهالسلام ، إذ لا يجوز لأحد أن يحتج بما لا يصح نقله. أو يقولوا كما قال بعضهم : إنهم إنما عوّلوا فيما عندهم على ترجمة السبعين شيخا ، الذين ترجموا التوراة وكتب الأنبياء لبطليموس. فإن قالوا هذا فإنهم لا يخلون ضرورة من أحد وجهين :
إما أن يكونوا صادقين في ذلك ، أو يكونوا كاذبين في ذلك ، فإن كانوا كاذبين فقد سقط أمرهم والحمد لله رب العالمين ، إذ لم يرجعوا إلا إلى المجاهرة بالكذب.
وإن كانوا صادقين في ذلك فقد حصلت توراتان مختلفتان متكاذبتان متعارضتان ، توراة السبعين شيخا وتوراة عزرا. ومن الباطل المحال الممتنع كونهما جميعا حقا من عند الله عزوجل. واليهود والنصارى كلهم مصدق مؤمن بهاتين التوراتين معا ، سوى توراة السامرة فلا بد ضرورة من أن تكون إحداهما حقا ، والأخرى مكذوبة. فأيهما كانت المكذوبة فقد حصلت الطائفتان على الإيمان بالباطل ضرورة ،