بمفاتيح السماوات ، فكل ما حرّمته في الأرض يكون محرّما في السماوات ، وكل ما حلّلته على الأرض يكون حلالا في السماوات».
وبعد هذا الكلام بأربعة أسطر أن المسيح قال لباطرة نفسه متّصلا بالكلام المذكور : «اتبعني يا مخالف ، ولا تعارضني فإنك جاهل بمرضاة الله تعالى ، وإنّما تدري مرضاة الآدميين».
قال أبو محمد رضي الله عنه : في هذا الفصل على قلته ـ وإنه قليل ومنتن كبعض ما يشبهه ممّا يكره ذكره ـ سوأتان عظيمتان :
إحداهما : أنه بريء إلى باطرة النذل بمفاتيح السماوات ، وولّاه خطة إلاهية لا تجوز لغير الله تعالى وحده ، لا شريك له ، من أنّ كلّ ما حرّمه في الأرض كان حراما في السماوات وكلّ ما حلّله في الأرض كان حلالا في السماوات.
والثانية : أنه آثر براءته إليه بمفاتيح السماوات وتوليته له خطة الربوبية ، إمّا شريكا لله تعالى في التحريم والتحليل ، وإمّا منفردا دونه عزوجل بهذه الصفة.
قال له في الوقت : «إنه مخالف معارض له جاهل بمرضاة الله تعالى ، مخالف له لا يدري إلّا مرضاة الآدميين».
فو الله لئن كان صدق في الآخرة لقد خرق (١) في الأولى ، إذ ولى ما لا ينبغي إلا لله تعالى جاهلا بمرضاة الله تعالى ، مخالفا له لا يدري إلّا مرضاة الناس ، وإنّ هذه لسوأة الأبد ، إذ من هذه صفته لا يصلح أن يبرأ إليه بمفاتيح كنيف (٢) ، أو بيت زبل. ولئن كان صدق وأصاب في الأولى لقد كذب في الثانية ، وو الله ما قال المسيح قط ما ذكروا عنه في الأولى ، لأنها مقالة كافر شرّ خلق الله تعالى ، وما يبعد أنه قال له الكلام الثاني ، فهو والله كلام حق ، يشهد به اللعين الكافر «باطرة» شاه وجهه (٣) ، وعليه سخط الله وغضبه.
ثم عجب ثالث : أننا قد ذكرنا قبل أن في الباب الثامن عشر من إنجيل «متى» أنّ المسيح أشرك مع «باطرة» في هذه الخطة التي أفرده بها هاهنا سائر الاثني عشر
__________________
(١) خرق الكذب : اختلقه (المعجم الوسيط : ص ٢٢٩).
(٢) الكنيف : حظيرة من خشب أو شجر تتخذ للإبل والغنم تقيها الريح والبرد (المرجع السابق : ص ٨٠١).
(٣) شاه وجهه : قبح (المعجم الوسيط : ص ٥٠١).