ولأن ما لا نهاية له فلا يمكن البتة أن يكون عدد أكثر منه بوجه من الوجوه ، فوجبت النهاية في الزمان من قبل ابتدائه ضرورة ولا مخلص منها.
ويجب أيضا من ذلك : أن الحس يوجب ضرورة أن أشخاص (١) الإنس مضافة إلى أشخاص (٢) الخيل أكثر من أشخاص الإنس مفردة عن أشخاص الخيل ، ولو كانت الأشخاص لا نهاية لها لوجب أنّ ما لا نهاية له أكثر مما لا نهاية له ، وهذا محال ممتنع لا يتشكل في العقل ولا يمكن.
وأيضا فلا شك في أنّ الزمان مذ كان إلى وقت الهجرة جزء للزمان مذ كان إلى وقتنا هذا.
ولا شك أيضا في أن الزمان مذ كان إلى وقتنا هذا كلّ للزمان مذ كان إلى وقت الهجرة ، ولما بعده إلى وقتنا هذا.
فلا يخلو الحكم في هذه القضية من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها :
إما أن يكون الزمان مذ كان موجودا إلى وقتنا هذا أكثر من الزمان مذ كان إلى عصر الهجرة.
وإمّا أن يكون أقل منه.
وإمّا أن يكون مساويا له.
فإن كان الزمان مذ كان إلى وقتنا هذا أقل من الزمان مذ كان إلى وقت الهجرة فالكل أقل من الجزء ، والجزء أكثر من الكل ، وهذا هو الاختلاط وعين المحال. إذ لا يخيل على أحد أن الكل أكثر من الجزء ، وهذا ما لا شك فيه ببديهة العقل وضرورة الحس.
وإن كان مساويا له ، فالكل مساو للجزء ، وهذا عين المحال والتخليط.
وإن كان أكثر منه ، وهذا هو الذي لا شك فيه ، فالزمان مذ كان إلى وقت الهجرة ذو نهاية.
ومعنى الجزء إنما هو أبعاض الشيء ، ومعنى الكل إنما هو جملة تلك الأبعاض فالكل والجزء واقعان في كلّ ذي أبعاض. والعالم ذو أبعاض هكذا توجد حاملاته ومحمولاته وأزمانها ومكانها ، فالعالم كل لأبعاضه ، وأبعاضه أجزاء له ، والنهاية ـ كما
__________________
(١) أشخاص الإنس وأشخاص الخيل : أي أفرادها واحدا واحدا.
(٢) أشخاص الإنس وأشخاص الخيل : أي أفرادها واحدا واحدا.