من اليهود واليونانين : أن المسيح علم الله وقدرته ، لأن ما كان جهلا عند الله هو أحكم ما يكون عند الناس ، وما هو ضعيف عند الله هو أقوى ما يكون عند الناس.
قال أبو محمد : فهل في بيان قحة هذا النذل وسخريته بمن اتبعه ، وتحقيق ما تدعيه اليهود : أن أسلافهم دسّوا هذا النذل بولش لإضلال أتباع المسيح عليهالسلام ـ أكثر من هذا الكلام في إبطاله الآيات والحكم؟!
إن أحكم ما يكون عند الناس هو الجهل عند الله فمحصول كلامه : اتركوا العقل وموجبه ، واطلبوا الحمق وتدينوا به. نعوذ بالله مما ابتلاهم به.
وقال بولس أيضا في بعض رسائله : إنه لا تبقى دعوة كاذبة في الدين أكثر من ثلاثين سنة.
قال أبو محمد : هو عندهم ـ لعنه الله ـ أصدق من موسى بن عمران عليهالسلام فإن كان صدق هاهنا فما يحتاج معهم إلى برهان في صحة دين الإسلام ، ونبوة محمد ـ صلىاللهعليهوسلم ـ سوى هذا ، فإن لهذه الدعوة أربعمائة عام ونيفا وخمسين عاما ظاهرة ، والحمد لله رب العالمين ، فيلزمهم أن يرجعوا إلى الحمق ، أو يكذبوا بولس بشيرهم.
وقال بعض من يعظمونه من أسلافهم ، وهو يوحنا فم الذهب ، بطريارك القسطنطينية ، في كتاب له معروف عندهم : إن الشجرة التي منها آدم ، وبسببها أخرج من الجنة كانت شجرة تين ، وإن الله أنزل تلك الشجرة بعينها إلى الأرض ، وهي التي دعا المسيح عليها فيبست ، إذ طلب فيها تينا يأكله فلم يجد ، وهي نفسها الخشبة التي صلب عليها قال : وبرهان ذلك أنك لا تجد غارا إلّا وعلى فمه شجرة تين نابتة.
فاعجبوا لهذا الهزل والعبارة والمجون ، والبرهان البديع. واعلموا أنهم بأجمعهم متفقون على أن يصوروا في كنائسهم صورة يقولون : هي صورة البارى عزوجل ، وأخرى صورة المسيح ، وأخرى صورة مريم ، وصورة باطرة ، وصورة بولش ، والصليب ، وصورة جبريل ، وصورة ميكائيل وصورة إسرافيل ، ثم يسجدون للصور سجود عبادة ، ويصومون لها تدينا. وهذا هو عبادة الأوثان بلا شك والشرك المحض ، وهم ينكرون عبادة الأوثان ثم يعبدونها علانية ، وحجتهم في هذا حجة عباد الأوثان أنفسهم ، وهي أنهم يتقربون بذلك إلى أصحاب تلك الصور ، لا إلى الصور بأعيانها. واعلموا أنهم لم يزالوا بعد المسيح بأزيد من مائة عام يصومون في شهر كانون الآخر إثر عيد الحجيج ، أربعين يوما متصلة ثم يفطرون ثم يعيدون الفصح مع اليهود اقتداء بالمسيح ، إلى أن أبطل ذلك عليهم خمسة من البطاركة اجتمعوا على ذلك ونقلوا صيامهم وفصحهم إلى