ما هم عليه اليوم ، فكيف ترون هذا الدين ولعب أهله به ، وحكمهم بأن ما مضى عليه المسيح والحواريون ضلال وكفر ..؟ ولا يختلفون أصلا في أن شرائعهم كلها إنما هي من عمل أساقفتهم وملوكهم علانية. فهل تطيب نفس من به مسكة عقل على أن يبقى ساعة على دين هذه صفته؟ فكيف يلقى الله على دين يقرّ بلسانه ويعلم بقلبه أنه ليس من عند الله تعالى ، ولا مما أتى به نبي ، ونعوذ بالله من الضلال.
ومن عظيم هوسهم قولهم كلهم : إن المسيح أتى ليأخذ بجراحه آلامنا وبكلومه ذنوبنا ، وهذا كلام في غاية السّخف!! ليت شعري أي ألم أخذ بجراحه أم كيف تؤخذ ذنوب الناس بكلوم المسيح؟! وما نراهم إلا يألمون ويذنبون كما يألم غيرهم ولا فرق.
ومن فضائحهم دعواهم أن إهلاني والدة قسطنطين أول من تنصر من ملوك الروم ، وذلك بعد أزيد من ثلاثمائة سنة من رفع المسيح ، وجدت الخشبة التي صلب فيها المسيح والشوك الذي جعل على رأسه ، والدم الذي طار من جنبه ، والمسامير التي ضربت في يديه. فليت شعري أين وجد هذا السخام (١) كله ..؟ وأهل ذلك اللعين كلهم مطرودون مقتولون حيث وجدوا ، والمدينة خربة أزيد من مائتي عام لا أنيس فيها ، ثم من لهم بأنها تلك ..؟ وأين بقي أثر الدم والمسامير والشوك والخشبة تلك المدة العظيمة ، في البلاد الخالية المقفرة؟ ولا شك في أنه إذ صلب ـ كما يقولون ـ كان أصحابه مختفين وأعداؤه لا يلتفتون إلى أمره ، أيكون في السخف أعظم من هذا؟! وما عقولهم إلا عقول من يصدق بالأغرقون ، والعنقاء ، وبكل ما لا يمكن.
واعلموا أن كل ما يدعونه لباطرة ويوحنا ومارقش وبولش من المعجزات فإنها أكذوبات موضوعة ، لأن هؤلاء الأربعة لم يكونوا قط مذ رفع المسيح عليهالسلام ، ومذ تنصر بولش إلا مطلوبين ، مشردين ، مضروبين ، كالزنادقة مستترين.
وقد ذكر بولش عن نفسه أن اليهود ضربوه خمس مرات بالقضبان ، كل مرة تسعا وثلاثين جلدة ، وأنه رجم بالحجارة في جمع عظيم ، وتدلى من سور دمشق في قفة خوف القتل ، ومع ذلك تظاهروا بدين اليهود إلى أن صلبوا أو قتلوا إلى لعنة الله ، ولا يجوز أن تصحّ معجزة إلا بنقل كافة من مثلها ممن شاهد ذلك ظاهرا ، ولكن دعوى النصارى ذلك لمن ذكرنا أو لغيرهم من أسلافهم معجزة كدعوى المنّانيّة لماني سواء بسواء ، فإنه لم يزل مستترا إلا شهورا يسيرة ، إذ اختدعه «بهرام بن بهرام الملك»
__________________
(١) السّخام : سواد القدر ، والفحم (المعجم الوسيط : ص ٤٢٢).