أنهم كما ذكرنا أصفار (١) من كل شيء ، من علوم الديانة التي هي الغرض المقصود من كل ذي لب ، والتي هي نتيجة العلوم التي طالعوا لو عقلوا سبلها ومقاصدها ، فلم يعنوا بآية من كتاب الله عزوجل الذي هو جامع علوم الأولين والآخرين ، والذي لم يفرّط فيه من شيء ، والذي من فهمه كفاه ، ولا بسنن من سنن رسول الله صلىاللهعليهوسلم التي هي بيان الحق ونور الألباب.
ولم تلق هذه الطائفة المذكورة من حملة الدّين إلّا أقواما لا عناية لهم بشيء مما قدمنا ، وإنما عنيت من الشريعة بأحد ثلاثة أوجه :
إمّا بألفاظ ينقلون ظاهرها ولا يعرفون معانيها ، ولا يهتمون بفهمها.
وإمّا بمسائل من الأحكام لا يشتغلون بدلائلها ومنبعها ، وإنما حسبهم منها ما أقاموا به جاههم وحالهم.
وإمّا بخرافات منقولة عن كل ضعيف وكذاب وساقط ، لم يهتبلوا (٢) قط بمعرفة صحيح منها من سقيم ، ولا مرسل من مسند ، ولا ما نقل عن النبي صلىاللهعليهوسلم مما نقل عن كعب الأحبار ، أو وهب بن منبه عن أهل الكتاب. فنظرت الطائفة الأولى من هذه الآخرة بعين الاستهجان والاحتقار والاستجهال ، فتمكن الشيطان منهم ، وحلّ فيهم حيث أحب ، فهلكوا وضلّوا واعتقدوا أن دين الله تعالى لا يصح منه شيء ولا يقوم عليه دليل ، فاعتقد أكثرهم الإلحاد والتعطيل ، وسلك بعضهم طريق الاستخفاف والإهمال ، واطراح نقل الشرائع ، واستعمال الفرائض والعبادات ، وآثروا الرّاحات وركوب اللذات من أنواع الفواحش المحرمات من الخمر والزنا واللياطة والبغاء ، وترك الصلاة والصيام ، والزكاة والحج والغسل ، وقصدوا كسب المال كيف تيسر ، وظلم العباد واستعمال الأهزال ، وترك الجد والتحقيق ، وتدين الأقل منهم بتعظيم الكواكب ، فأسفت نفس المسلم الناصح لهذه الملة وأهلها على هلاك هؤلاء المساكين ، وخروجهم عن جملة المؤمنين ، بعد أن غذوا بلبان الإسلام ، ونشئوا في حجور أهله ، نسأل الله العصمة من الضلال لنا ، ولأبنائنا ولكل إخواننا من المسلمين ، ونسأله تدارك من زلّت به قدمه ، وهوت نعله ، إنه على كل شيء قدير.
__________________
أحمد في المسند (٣ / ٣٠٩) عن جابر بن عبد الله قال : قال لنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا تلجوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من أحدكم مجرى الدم».
(١) أصفار : خالون.
(٢) اهتبل الفرصة : اغتنمها. ويقال : سمع كلمة فاهتبلها. انظر المعجم الوسيط (ص ٩٧٠).