ليس بشيء ، لأن الكواكب وإن كان لها تأثير في العالم ظاهر ، فليس تأثيرها تأثير ملك واختيار ، يدل على ذلك ما ذكرناه في كتابنا هذا من الدلائل على أن الكواكب مضطرة لا مختارة ، وإنما تأثيرها كتأثير النار بالإحراق ، والماء بالتبريد ، والسمّ بإفساد المزاج ، والطعام بالتغذية ، والفلفل بحذو (١) اللسان ، والإهليلج (٢) بالقبض للفم ، وما جرى هكذا من سائر ما في العالم ، وكل ذلك غير ناطق ، والكواكب والأفلاك جارية هذا المجرى ، لأن تأثيرها تأثير واحد لا يختلف ، وحركتها حركة واحدة لا تختلف ، وليس كذلك المختار.
وقد قال لي بعضهم وقد عارضته بهذا : إنّ المختار الفاضل يلزم أفضل الحركات فلا يتعدّاها ، وتلك الحركة الدّورية هي أفضل الحركات.
فقلت له : وما دليلك على أن أفضل الحركات الحركة الدورية؟ ومن أين صارت الحركة من شرق إلى غرب ، أو من غرب إلى شرق ، أفضل من جنوب إلى شمال ، أو من شمال إلى جنوب؟
وكيف يكون عندكم أفضل الحركات والأفلاك الثمانية تنتقل من غرب إلى الشرق؟ والتاسع من شرق إلى غرب ، فأي هاتين الحركتين قلتم إنها أفضل عندكم وقد اختار الآخر الحركة التي ليست أفضل؟ فظهر فساد هذا القول بيقين.
وهذه دعاوى مجردة بلا برهان ، وما كان هكذا فقد سقط ، ولا فرق بينك وبين من قال : بل الحركة علوّا أفضل أو على خط مستقيم سائرة وراجعة ، ونحن نجد تلك الأجرام تسفل في بعض ممراتها ، وتشرف في بعض ، وتسقط في بعض على قولهم ، وتوافق بزعمهم ريح نحس مظلمة ، وأخرى نيرة سعيدة ، وبعض الأفلاك تقطع من غرب إلى شرق ، وهو حركة جميعها إلّا الأعلى منها فإنّه يتحرك من شرق إلى غرب ، فليست هذه أفضل الحركات ، فبطل قولهم والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : وكذلك ما ذكره من ذكر ذلك منهم من الكرور عند انتهاء آلاف من الأعوام ذكروها ، وانتصاب الكواكب الثابتة على نصب ما من قطعها لفلكها ، فهذا أيضا كذب مجرد ، ودعوى ساقطة لا دليل عليها ، ولا يعجز عن مثلها أحد ، ولم
__________________
(١) يقال : حذا اللسان شرابه : قرصه (المعجم الوسيط : ص ١٦٣).
(٢) الإهليلج : شجر ينبت في الهند وكابل والصين ، ثمره على هيئة حب الصنوبر الكبار (المعجم الوسيط : ص ٣٢).