قال أبو محمد : وهذه الكتب كلها سالمة مفيدة ، دالة على توحيد الله عزوجل وقدرته ، عظيمة المنفعة في انتقاد جميع العلوم ، وعظم منفعة الكتب التي ذكرنا في الحدود في مسائل الأحكام الشرعية فيها يتعرف كيف يتوصل إلى الاستنباط وكيف تؤخذ الألفاظ على مقتضاها ، وكيف يعرف الخاص من العام ، والمجمل من المفسر ، وبناء الألفاظ بعضها على بعض. وكيف تقديم المقدمات وإنتاج النتائج ، وما يصح من ذلك صحة ضرورية أبدا ، وما يصح مرة ويبطل أخرى ، وما لا يصح البتة وضروب الحدود التي ما شذّ عنها كان خارجا عن أصله ، ودليل الخطاب ، ودليل الاستقراء ، وبرهان الدّور وغير ذلك مما لا غناء للفقيه المجتهد لدينه ولأهل ملته عنه.
قال أبو محمد : فلما رأينا عظيم المحنة فيما تولّد في الطائفتين اللتين ذكرنا ، رأينا من عظيم الأجر ، وأفضل العمل ، بيان هذا الباب المشكل بحول الله تعالى ، وقدرته وتأييده ، فنقول وبه عزوجل نتأيّد ونستعين :
إنّ كلّ ما صح ببرهان أيّ شيء كان فهو في كلام الله عزوجل ، وكلام النبي صلىاللهعليهوسلم منصوص مسطور يعلمه كل من أحكم النظر ، وأيّده الله تعالى بفهم ، وأمّا كل ما عدا ذلك مما لا يصح ببرهان وإنما هو إقناع أو شغب ، فالقرآن وكلام النبي صلىاللهعليهوسلم منه خاليان. والحمد لله رب العالمين.
قال أبو محمد : ومعاذ الله أن يأتي كلام الله عزوجل ، وكلام نبيه صلىاللهعليهوسلم بما يبطله عيان أو برهان ، وإنما ينسب هذا إلى القرآن والسنة من لا يؤمنون بهما ، ويسعى في إبطالهما ، (وَيَأْبَى اللهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ) [سورة التوبة : ٣٢].
ولسنا من تفسير الكلبي (١) الكذاب ومن جرى مجراه في شيء ، ولا نحن من نقل المتّهمين في شأن ، إنما نحتجّ بما نقله الأئمة الثّقات والأثبات من رؤساء المحدثين مسندا ، فمن فتّش الحديث الصحيح وجد فيه كل ما قلنا ، والحمد لله رب العالمين.
وإنما الباطل ما ادّعته الطائفة الأولى من نطق (٢) الكواكب وتدبيرها ، وهذا كفر لا حجة عندهم على ما قالوه منه أكثر من أن المحتجّ لهم قال :
لما كنا نعقل ، وكانت النجوم تدبّرنا كانت أولى بالعقل منا. وهذا الذي ذكروه
__________________
(١) انظر ترجمته في الحاشية (٣) ص ٣٤٧.
(٢) النطق : الفهم وإدراك الكليات ، كما في علم المنطق.