بهذا أنه لا يجوز أن يفارق الشمس والقمر السماوات ، ولا أن يخرجا عنها ، لأنهما كيف دارا فهما في السماوات ، فصحّ ضرورة أن السماوات مطابقة طباقا على الأرض ، وأيضا فقد نص الله تعالى كما ذكرنا على أن الشمس والقمر والنجوم في السماوات ، ثم قال تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس : ٤٠].
وبالضرورة علمنا أنه لا يمكن أن يكون جرم في وقت واحد في مكانين غير متداخلين فلو كانت السماوات غير الأفلاك ، وكانت الشمس والقمر بنصّ القرآن في السماوات وفي الفلك لكانا في مكانين غير متداخلين في وقت واحد ، وهذا محال ممتنع ، ولا ينسب القول بالمحال إلى الله تعالى إلّا أعمى القلب ، فصح أن الشمس في مكان واحد ، وهو سماء وهو فلك ، وهكذا القول في القمر وفي النجوم. وقوله تعالى : (وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ) [سورة يس : ٤٠] نصّ جليّ على الاستدارة ، لأنه أخبر تعالى أن الشمس والقمر والنجوم سابحة في الفلك ، ولم يخبر أنّ لها سكونا ، فلو لم تستدر لكانت على آباد الدهور بل في الأيّام اليسيرة تغيب عنّا ، حتّى لا نراها أبدا لو مشت على طريق واحد ، وخط واحد مستقيم أو معوج غير مستدير ، لكنّا أمامها أبدا ، وهذا باطل فصحّ ما نراه من كرورها من غرب إلى شرق ، ومن شرق إلى غرب ، أنها دائرة ضرورة ، وكذلك قال لرسول الله صلىاللهعليهوسلم إذ سئل عن قول الله تعالى عزوجل : (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها) [سورة يس : ٣٨].
فقال عليهالسلام : «مستقرّها تحت العرش» (١). وصدق عليهالسلام لأنها أبدا تحت العرش إلى يوم القيامة ، وقد علمنا أنّ مستقرّ الشيء هو موضعه الذي يلزم فيه ولا يخرج ، وإن مشى فيه من جانب إلى جانب ، «وسجودها» هو سيرها فيه.
حدثنا أحمد بن عمر بن أنس العذري حدثنا عبد الله بن محمد الهروي ، حدثنا عبد الله بن أحمد بن حمويه السرخي ، حدثنا إبراهيم بن خزيم ، حدثنا عبد بن حميد ، حدثني سليمان بن حرب الواشحي ، حدثنا : حماد بن سلمة عن إياس بن معاوية المزني قال : «السماء مقبّبة هكذا على الأرض».
وبه إلى عبد بن حميد ، حدثنا : يحيى بن عبد الحميد عن يعقوب عن جعفر هو
__________________
(١) رواه البخاري في بدء الخلق باب ٤ (حديث ٣١٩٩) والتفسير (حديث ٤٨٠٢ و ٤٨٠٣) والتوحيد باب ٢٢ (حديث ٧٤٢٤) وباب ٢٣ (حديث ٧٤٣٣) عن أبي ذر بهذا اللفظ ، ومطولا أيضا.