الجدي إلى آخر مغربها الصيفي إذا كانت من رأس السرطان مرئي مشاهد ومقداره ثمان وأربعون درجة من الفلك ، وهو يوازي من الأرض كلها بالبرهان الهندسي أقل من مقدار السدس ، يكون من الأميال نحو ثلاثة آلاف ميل ونيف ، وهذه المساحة لا يقع عليها في اللغة اسم عين البتة ، لا سيما أن تكون عينا حمية حامية وباللغة العربية خوطبنا ، فلما تيقّنا أنها عين بإخبار الله عزوجل الصادق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، علمنا يقينا أنّ ذا القرنين انتهى به السير في الجهة التي مشى فيها من المغارب إلى العين المذكورة ، وانقطع له إمكان المشي بعدها ، لاعتراض البحار له هنالك ، وقد علمنا بالضرورة أنّ ذا القرنين وغيره من الناس ليس يشغل من الأرض إلّا مقدار مساحة جسمه فقط قائما أو قاعدا أو مضجعا ، ومن هذه صفته فلا يجوز أن يحيط بصره من الأرض بمقدار مكان المغارب كلها ، لو كان مغيبها في عين من الأرض كما يظن أهل الجهل ، ولا بدّ من أن يلقى خط بصره من حدبة الأرض أو من نشز من أنشازها ما يمنع الخط من التمادي ، إلّا أن يقول قائل : إنّ تلك العين هي البحر فلا يجوز أن يسمّى البحر في اللغة عينا حمئة ولا حامية. وقد أخبر الله عزوجل أن الشمس تسبح في الفلك ، وأنها إنما هي في الفلك سراج ، وقول الله تعالى هو الصدق الذي لا يجوز أن يختلف ولا يتناقض ، فلو غابت في عين في الأرض كما يظن أهل الجهل ، أو في البحر لكانت الشمس قد زالت عن السماء ، وخرجت عن الفلك ، وهذا هو الباطل المخالف لكلام الله عزوجل حقّا نعوذ بالله من ذلك ، فصحّ يقينا بلا شك أنّ ذا القرنين كان في العين الحمئة الحامية حين انتهى إلى آخر البر في المغارب ، وبالله تعالى التوفيق ، لا سيما مع ما قام البرهان عليه من أن جرم الشمس أكبر من جرم الأرض ، وبالله تعالى التوفيق.
وبرهان آخر قاطع : وهو قول الله عزوجل : (وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) وقرئ حامية ، (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) [سورة الكهف : ٨٦] ، فصح ضرورة أنه وجد القوم عند العين لا عند الشمس ، ومن كان عند العين فهو في العين ، وقال الله عزوجل : (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ) [سورة آل عمران : ١٣٣].
وصح الإجماع والنصّ على أنّ أرواح الأنبياء صلوات الله عليهم وسلامه في الجنة إلّا في قول من لا يعد في جملة أهل الإسلام ممن يقولون بفناء الأرواح وأنّها أعراض ، وكذلك أرواح الشهداء في الجنة ، وأخبر رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه رآهم ليلة أسري به في السماوات سماء سماء ، آدم في سماء الدنيا ، ويحيى وعيسى في الثانية ، ويوسف في