وربما أطلق هذه اللفظة من متأخري الأئمة من الفقهاء من لم يحقق النظر فيها ، فهي وهلة من فاضل ، وزلة من عالم ، وإنّما الحقّ في الدّين ما جاء عن الله تعالى نصّا أو عن رسوله صلىاللهعليهوسلم كذلك ، أو صحّ إجماع الأمة كلها عليه ، وما عدا هذا فضلال.
فإن اعترضوا بالحديث الذي رويناه من طريق عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن سعيد بن أبي هلال عن أبي الرجال محمد بن عبد الرحمن عن أمه عمرة عن عائشة رضي الله عنها في الرّجل الذي كان يقرأ : قل هو الله أحد في كل ركعة مع سورة أخرى ، وأنّ رسول الله صلىاللهعليهوسلم أمر أن يسأل عن ذلك فقال : هي صفة الرحمن فأنا أحبّها ، فأخبره رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنّ الله يحبّه (١).
فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أنّ هذه اللفظة انفرد بها سعيد بن أبي هلال وليس بالقويّ ، قد ذكره بالتخليط يحيى وأحمد بن حنبل ، وأيضا فإن احتجاج خصومنا بهذا لا يسوغ لهم على أصولهم لأنه خبر واحد لا يوجب عندهم العلم ، وأيضا : فلو صحّ لما كان مخالفا لقولنا ، لأننا إنما أنكرنا قول من قول : إن أسماء الله تعالى مشتقة من صفات ذاتية فأطلق ذلك على «العلم» و «القدرة» و «القوة» و «الكلام» أنها صفات ، وعلى من أطلق «إرادة» وسمعا وبصرا وحياة ، وأطلق أنها صفات ، فهذا الذي أنكرنا غاية الإنكار ، وليس في الحديث المذكور ولا في غيره شيء من هذا أصلا ، وإنّما فيه أنّ «قل هو الله أحد» خاصة صفة الرحمن ، ولم ننكر هذا نحن بل هو خلاف لقولهم لأنهم لا يخصّون «قل هو الله أحد» بذلك دون الكلام والعلم وغير ذلك ، و «قل هو الله أحد» خبر عن الله تعالى بما هو الحق ، فنحن نقول فيها هي صفة الرحمن ، بمعنى أنها خبر عنه تعالى حق ، فظهر أن هذا الخبر حجة عليهم لنا. وأيضا فمن أعجب الباطل أن يحتج بهذا الخبر فيما ليس فيه شيء من يخالفه ويعصيه في الحكم الذي ورد فيه من استحسان قراءة «قل هو الله أحد» في كل ركعة مع سورة أخرى ، لهذه الفضائح ، فلتعجب أهل العقول. وأما الصفة التي يطلقون هم ، فإنما هي في اللغة واقعة على عرض في جوهر لا على ذلك أصلا. وقد قال الله تعالى : (سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ) [سورة الصافات : ١٨٠].
__________________
(١) رواه البخاري في التوحيد باب ١ (حديث ٧٣٧٥) ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها (حديث ٢٦٣) والنسائي في الافتتاح باب ٦٩. ولفظ الحديث عند البخاري : أن النبي صلىاللهعليهوسلم بعث رجلا على سرّية ، وكان يقرأ لأصحابه في صلاته فيختم بقل هو الله أحد. فلما رجعوا ذكروا ذلك للنبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «سلوه لأيّ شيء يصنع ذلك؟» فسألوه فقال : لأنها صفة الرحمن وأنا أحب أن أقرأ بها. فقال النبي صلىاللهعليهوسلم : «أخبروه أن الله يحبّه».