وَبَنِينَ وَجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فَإِذا جاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِيَسُوؤُا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَما دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا ما عَلَوْا تَتْبِيراً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا) [سورة الإسراء : ٤ ـ ٨].
فهذا نصّ قولنا إنه تعالى قد علم ما يفعلون ، وأخبر بذلك ، ثمّ مع هذا أخرج الخطاب بالمعهود عندنا بلفظ «عسى» و «فينظر».
قال أبو محمد : فإذ قد صحّ ما ذكرنا فقد ثبت ضرورة أنّ قول القائل : متى علم الله زيدا ميّتا سؤال فاسد بالضرورة لأن «متى» سؤال عن زمان وعلم الله تعالى ليس في زمان أصلا لأنه ليس هو غير الله تعالى ، وقد مضى البرهان على أنّ الله تعالى ليس في زمان ولا في مكان ، وإنّما الزّمان والمكان للمعلوم فقط كما بيّنا ، وبالله تعالى التوفيق.
فإن اعترض معترض بقوله الله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [سورة البقرة : ٢٥٥].
فقال : إنّ «من» للتبعيض ، ولا يتبعض إلّا مخلوق محدث ، ولا يحاط إلا بمخلوق محدث ، وقد نص الله تعالى على أنه لا يحاط إلّا بما شاء من علمه فوجب أنّ علمه مخلوق ، لأنه يحاط ببعضه ، وهو متبعض.
فالجواب وبالله تعالى التوفيق : أنّ كلام الله تعالى واجب أن يحمل على ظاهره ، ولا يحال عن ظاهره البتة إلا أن يأتي نصّ أو إجماع أو ضرورة حسّ ، على أن شيئا منه ليس على ظاهره ، وأنه قد نقل عن ظاهره إلى معنى آخر ، فالانقياد واجب علينا لما أوجبه من ذلك النص أو الإجماع أو الضرورة ، لأنّ كلام الله تعالى وأخباره وأوامره لا تختلف والإجماع لا يأتي إلّا بحق ، والله تعالى لا يقول إلّا الحق ، وكلّ ما أبطله برهان ضروري فليس بحق ، فإذ هذا كما قلنا ، وقد ثبت ضرورة أنّ علم الله تعالى ليس عرضا ولا جسما أصلا لا محمولا فيه ، ولا في غيره ولا هو شيء غير الباري تعالى فبالضرورة نعلم أنّ معنى قوله عزوجل : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ) إنما المراد العلم المخلوق الذي أعطاه عباده وهو عرض في العالمين من عباده محمول فيهم ، وهو مضاف إليه عزوجل بمعنى الملك وهذا لا شك فيه ، لأنه لا علم لنا إلّا ما علّمنا. قال الله تعالى : (وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً) [سورة الإسراء : ٨٥].
يريد الله تعالى : ما خلق من العلوم وبثّها في عباده كما قال الخضر لموسى عليهماالسلام : إنّي على علم من علم الله لا تعلمه أنت ، وأنت على علم من علم الله