لا أعلمه أنا ، وما نقص علمي وعلمك من علم الله إلّا كما نقص هذا العصفور من البحر.
قال أبو محمد : فهذه إضافة الملك كما بينا ، وإنّما أضيف العلم هاهنا إلى الله تعالى إضافة ملك ، كما قال تعالى : (هذا خَلْقُ اللهِ) [سورة لقمان : ١١].
وكما قال تعالى في عيسى عليهالسلام : «إنه روح الله».
وهذا كله إضافة الملك ، فهذا معنى قوله تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) [سورة البقرة : ٢٥٥].
وقد نفى الله تعالى الإحاطة من الخلق به ، فقال عزوجل : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) [سورة طه : ١١٠].
أي من العلم بالله تعالى ، وهذا حقّ لا شكّ فيه لأننا لا نحيط من العلم به تعالى إلّا ما علّمنا فقط ، قال تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً).
فيكون معنى «من علمه» أي من معرفته.
فإن قالوا : ما معنى دعائكم الله في الرحمة والمغفرة؟ وهل يخلو أن يكون قد سبق علمه بالرّحمة ، فأيّ معنى للدّعاء فيما لا بدّ منه؟ وهل يكون إلّا كمن دعا في طلوع الشمس غدا ، أو في أن يجعل إنسانا إنسانا ، أو في أن تكون الأرض أرضا ، وإن كان قد سبق في علمه تعالى خلاف ذلك فأيّ معنى للدّعاء فيما لا يكون ..؟ وهل هو إلّا كمن دعا في ألّا تقوم السّاعة ، أو في ألّا يكون النّاس ناسا؟
فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق : الدعاء عمل أمرنا الله تعالى به لا على أنه يردّ قدرا ولا أنه يكون من أجله ما لا يكون ، لكن الله عزوجل قد جعل في سابق علمه الدعاء الذي سبق في علمه قبوله يدعى به سببا لما سبق في علمه كونه ، كما جعل في سابق علمه الغذاء بالطعام والشّراب سببا لبلوغ الأجل ، الذي سبق في علمه البلوغ إليه ، وكذلك سائر الأعمال ، وقد نص تعالى أنه يعلم آجال العباد ، قال تعالى : (فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ) [سورة الأعراف : ٣٤].
ومع ذلك فقد جعل تعالى الأكل والشرب سببا إلى استيفاء ذلك المقدار وكل ذلك سابق في علمه عزوجل ، والدّعاء هكذا ، وكذلك التداوي على سبيل الطب ، ولا فرق ، وقد أخبرنا تعالى أنه يصلّي على نبيّه صلىاللهعليهوسلم وأمرنا مع ذلك بالدّعاء بالصّلاة عليه ، وقال تعالى : (قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِ) [سورة الأنبياء : ١١٢]. فأمرنا بالدّعاء بذلك ، وقد علّمنا أنه تعالى لا يحكم إلّا بالحق فصح ما قلنا من أنّ الدّعاء عمل أمرنا به