فنحن نعمله حيث أمرنا عزوجل ، ولا نعمله حيث لم نؤمر به والحمد لله ربّ العالمين.
فإذ قد بطل بعون الله تعالى وتأييده قول من قال إنّ علم الله تعالى هو غير الله تعالى وهو مخلوق فلنتكلم بعون الله تعالى وتأييده على قول من قال : إنّ علم الله تعالى هو غير الله تعالى وخلافه ، وأنه لم يزل مع الله عزوجل.
قال أبو محمد : هذا قول لا يحتاج في ردّه إلى أكثر من أنه شرك مجرّد ، وإبطال للتوحيد ، لأنه إذا كان مع الله تعالى شيء غيره لم يزل معه فقد بطل أن يكون الله تعالى كان وحده بل قد صار له شريك في أنه لم يزل ، وهذا كفر مجرّد ، ونصرانية محضة مع أنها دعوى ساقطة بلا دليل أصلا. وما قال بهذا قط أحد من أهل الإسلام قبل هذه الفرقة المحدثة بعد الثلاثمائة سنة فهو خروج عن الإسلام ، وترك للإجماع المتيقّن ، وقد قلت لبعضهم : إذا قلتم إنه لم يزل مع الله تعالى شيء آخر هو غير الله تعالى وخلافه لم يزل معه فلما ذا أنكرتم على النصارى في قولها : إنّ الله ثالث ثلاثة؟ فقال لي مصرّحا : ما أنكرنا على النّصارى إلّا اقتصارهم على الثلاثة فقط ، ولم يجعلوا معه تعالى أكثر من ذلك.
فأمسكت عنه إذ صرّح بأنّ قولهم أدخل في الشّرك من قول النّصارى. وقولهم هذا ردّ لقول الله عزوجل : (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) [الإخلاص : ١].
فلو كان مع الله غير الله لم يكن الله أحد.
قال أبو محمد : وما كنّا نصدّق أنّ من ينتمي إلى الإسلام يأتي بهذا الكفر لو لا أنّا شاهدناهم وناظرناهم ، ورأينا ذلك صراحا في كتبهم ككتاب السمناني (١) قاضي الموصل في عصرنا هذا ، وهو من أكابرهم ، وفي كتاب المجالس للأشعري وفي كتب لهم أخر.
قال أبو محمد : والعجب من هذا كله تصريح الباقلاني وابن فورك (٢) في كتبهما
__________________
(١) هو قاضي الموصل أبو جعفر محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد السمناني الحنفي. قال الخطيب : كتبت عنه ، وكان صدوقا فاضلا حنفيّا يعتقد مذهب الأشعري ، وله تصانيف. وقال الذهبي : كان من أذكياء العالم. توفي بالموصل سنة ٤٤٤ ه. انظر ترجمته في تاريخ بغداد (١ / ٣٥٥) وسير أعلام النبلاء (١٧ / ٦٥١) والوافي بالوفيات (٢ / ٦٥) وغيرها.
(٢) الباقلاني تقدم التعريف به. أما ابن فورك فهو الإمام العلامة المتكلم الأصولي أبو بكر محمد بن الحسن بن فورك الأصبهاني. أمر السلطان محمود بقتله بالسمّ سنة ٤٠٦ ه. انظر