أمّا قولهم : لا يعقل السميع إلا بسمع ، ولا البصير إلا ببصر. فيقال لهم وبالله تعالى التوفيق :
أما فيما بيننا فنعم ، وكذلك أصلا لم نجد قط في شيء من العالم الذي نحن فيه سميعا إلّا بسمع ، ولا وجد فيه بصير إلا ببصر ـ فإنه لم يوجد فيه سميع إلّا بجارحة يسمع بها ، ولا وجد فيه قط عالم إلّا بضمير فلزمهم أن يجروا على الله عزوجل هذه الأوصاف. وتعالى الله عن ذلك علوّا كبيرا.
وهم لا يقولون هذا ، ولا يستجيزونه.
وأمّا المجسمة : فإنهم أطلقوا هذا وجوّزوه ، وقد مضى نقض قولهم بعون الله تعالى وتأييده ، ويلزم الطائفتين كلتيهما إذا قطعوا بأنّ له تعالى سمعا وبصرا لأنه سميع بصير ، ولا يمكن أن يكون سميع بصير ، إلّا إذا سمع وبصر ، لا سيّما وقد صحّ النصّ بأن له تعالى عينا وأعينا ، أن يقولوا : إنه ذو حدقة ، وناظر ، وطباق في العين ، وذو أشفار ، وأهداب لأنه لم يشاهد في العالم ولا يمكن البتة أن تكون عين لذي عين يرى بها ويبصر إلّا هكذا ، وإلّا فهي عين ذات عاهة ، أو كعيون بعض الحيوان التي لا يطبقها. وكذلك لا يكون في المعهود ، ولا يمكن البتة أن يكون سميع في العالم إلّا بأذن ذات صماخ ، فيلزمهم أن يثبتوا هذا كلّه ، وإلّا فقد أبطلوا استدلالهم ، وزوّروا استشهادهم بالمعهود والمعقول. فإن أطلقوا هذا كلّه تركوا مذهبهم ، وخرجوا إلى أقبح قول المجسّمة مما لا يرضى به أكثر المجسمة ، وقد ذكرنا فساد قولهم قبل. والحمد لله رب العالمين.
فإذا جوّزوا أن يكون الباري تعالى سميعا بصيرا بغير جارحة ، وهذا خلاف ما عهدوا في العالم ، وجوزوا أن يكون له تعالى عين بلا حدقة ولا ناظر ولا طباق ، ولا أهداب ، ولا أشفار ، وهذا أيضا خلاف ما عهدوا في العالم ، فلا ينكروا قول من قال : إنه سميع لا بسمع ، بصير لا ببصر ، وإن كان ذلك بخلاف ما عهدوا في العالم.
على أن بين القولين فرقا واضحا ، وهو أننا نحن لم نلتزم أن نحل تسميته عزوجل قياسا على ما عندنا ، بل ذلك حرام لا يجوز ، ولا يحل ، لأنه ليس في العالم شيء يشبهه عزوجل فيقاس عليه. قال تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة الشورى : ١١].
فقلنا : إنه سميع بصير لا كشيء من البصراء ولا السامعين ممّا في العالم ، وكل سميع وبصير في العالم فهو ذو سمع وبصر ، فالله تعالى بخلاف ذلك بنص القرآن فهو