سميع كما قال ، لا يسمع كالسّامعين ، وبصير كما قال لا يبصر كالمبصرين ، لا يسمّى ربنا تعالى إلّا بما سمى به نفسه فقط ، ولا يخبر عنه إلّا بما أخبر به عن نفسه فقط.
قال تعالى : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ).
فقلنا : نعم. هو السميع البصير ، ولم يقل تعالى : إنه له سمعا وبصرا. فلا يحلّ لأحد أن يقول : إنه له سمعا وبصرا فيكون قائلا على الله تعالى بلا علم ، وهذا لا يحل ، وبالله تعالى نعتصم.
وأما خصومنا فإنهم أطلقوا أنه لا يكون إلّا كما عهدوا في العالم من كل سميع وبصير في أنه ذو سمع وبصر ، فيلزمهم ضرورة ألا يكون إلا كما عهدوا من كل سميع وبصير في أنه ذو جارحة يسمع بها ويبصر بها ولا بدّ. ولو لا تلك الجارحة ما سمي أحد في العالم سميعا ولا بصيرا ، ولا أبصر أحد شيئا ، فإن ذكروا قول الله تعالى : (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَلَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها أُولئِكَ كَالْأَنْعامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولئِكَ هُمُ الْغافِلُونَ) [سورة الأعراف : ١٧٩].
قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق :
هذه الآية أعظم حجة عليكم لأن الله تعالى نصّ فيها على أنهم لم يروا بعيونهم ما يتعظون به ، ولا سمعوا بآذانهم ما يقبلونه من الهدى ، فلما كانت العيون والآذان لا ينتفع بهما ، استحقوا الذّم والنكال ـ فلو لا أن العين والأذن بهما يكون السمع والبصر ضرورة لا بدّ لا بشيء دونهما ـ ما استحق الذّم من رزق أذنا وعينا سالمتين ، فلم يسمع بهما ويبصر ما يهتدي به بعون الله عزوجل له ، وما كان يكون معنى لذكر الله عزوجل العين والأذن في السمع والبصر بهما لو جاز أن يكون سمع وبصر دونهما ، فبطل قولهم بالقرآن ضرورة ، وبالحسّ وبديهة العقل ، والحمد لله رب العالمين.
وأمّا ما موّهوا به من قولهم : إنه لو أنّ له سمعا وبصرا لجاز أن يقال : إنه يسمع الألوان ، ويرى الأصوات ، فهذا كلام لا يطلق في كل شيء على عمومه ، لأننا إنما خوطبنا بلغة العرب ، فلا يجوز أن نستعمل غيرها فيما خوطبنا به ، والذي ذكرتم من رؤية الأصوات وسماع الألوان لا يطلق في اللغة التي بها خوطبنا فيما بيننا ، فليس لنا أن ندخل في اللغة ما ليس فيها إلّا أن يأتي بذلك نص ، فنغلبه على اللغة.
ثم نقول : إنه لو قال قائل : إنه تعالى سميع للألوان بصير بالأصوات بمعنى أنه عالم بذلك لكان ذلك جائزا ولما منع من ذلك برهان ، فنحن نقول سمعنا الله عزوجل يقول كذا وكذا ، ورأينا الله تعالى يقول كذا وكذا ، ويأمر بكذا ويفعل كذا ، بمعنى علمنا. فهذا لا ينكره أحد ، ولا فرق بين هذا وبين ما سألوا عنه.