وأيضا فإن الله عزوجل يقول : (أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ فَوْقَهُمْ صافَّاتٍ وَيَقْبِضْنَ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمنُ إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ بَصِيرٌ) [سورة الملك : ١٩].
وهذا عموم لكل شيء كما قلنا ، فلا يجوز أن يخص به شيء دون شيء إلّا بنص آخر أو إجماع ، أو ضرورة ، ولا سبيل إلى شيء من هذا فصح ما قلناه وبالله تعالى التوفيق.
وقال تعالى : (يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفى) [سورة طه : ٧].
فصح أن بصيرا وسميعا وعليما بمعنى واحد.
ثم نقول لهم وبالله تعالى التوفيق : إنه تعالى بإجماع منّا ومنكم هو السميع البصير ، وهو أحد غير متكثّر ، ولا نقول إنّ السميع للألوان ، البصير بالأصوات إلّا على الوجه الذي قلناه. وليس يوجب أنّ السميع غير البصير ، فالذي أردتم ساقط ، وإنما اختلفت معلوماته ، وإنما هو تعالى واحد ، وعلمه بها كلها واحد ، يعلمها كلّها بذاته ، لا بعلم هو غيره البتة ، وبالله تعالى التوفيق.
فإن قال قائل : أتقولون إنّ الله عزوجل لم يزل سميعا بصيرا؟
قلنا : نعم ، لم يزل تعالى سميعا بصيرا ، عفوّا غفورا ، عزيزا قديرا وهكذا كل ما جاء في القرآن فيه ، «وكان الله سميعا بصيرا» ونحو ذلك ، لأن قوله عزوجل «كان» إخبار عن ما لم يزل ، وإذا أخبر بذلك عن نفسه لا عمن سواه.
فإن قالوا : أتقولون : لم يزل الله خالقا خلّاقا رازقا؟
قلنا : لا نقول هذا ، لأن الله تعالى لم ينص على أنه كان خالقا خلّاقا ، رازقا رازقا لكنا نقول : لم يزل الخلّاق الرزّاق ، ولم يزل الله تعالى لا يخلق ولا يرزق ثم خلق ورزق من خلق ، وهذا يوجب ضرورة أنها أسماء «أعلام» لا مشتقة لأنه لو كان «خالق ورازق» مشتقين من خلق ورزق ، لكان لم يزل ذا خلق يخلقه ويرزقه.
فإن قيل : فإنّ السميع والبصير ، والرحمن ، والرحيم ، والعفوّ والغفور والملك ، كلّ ذلك يقتضي مسموعا ومبصرا ، ومرحوما ، ومغفورا له ، ومعفوّا عنه ومملوكا.
قلنا : المعنى في «سميع وبصير» عن الله تعالى هو المعنى في «عليم» ولا فرق. وليس ما يظن أهل العلم من أنّ له سمعا وبصرا مختصّين بالمسموع والمبصر تشبيها بخلقه سوى علمه ، لأنّ الله تعالى لم ينصّ على ذلك فيلزمنا أن نقوله ، ولا يجوز أن يخبر أن الله تعالى بغير ما أخبر به عن نفسه لأن الله تعالى يقول : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [سورة الشورى : ١١].