فصحّ أنه تعالى : «سميع ليس كمثله شيء من السّامعين ، بصير لا كمثل شيء من البصراء».
فإن قال قائل : أتقولون إنّ الله تعالى لم يزل يسمع ويرى ويدرك؟
قلنا : نعم ، لأن الله عزوجل قال : (إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وَأَرى) [سورة طه : ٤٦].
وقال تعالى : (وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) [سورة الأنعام : ١٠٣].
وقال تعالى : (وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما) [سورة المجادلة : ١].
وصحّ الإجماع بقول «سمع الله لمن حمده» ، وصحّ النص : «ما أذن الله لشيء ما أذن لنبيّ حسن الصّوت يتغنّى بالقرآن» (١).
فنقول : إنه يسمع ويرى ، ويدرك كل ذلك بمعنى واحد ، وهو معنى يعلم ولا فرق.
وأما الإذن لنبيّ حسن الصوت ، فهو من الإذن بمعنى القبول ، كما يأذن الحاجب للمأذون له في الدّخول ، وليس من الأذن التي هي الجارحة ، ولو كان ما تظنون لكان بصره للمبصرات ، وسمعه للمسموعات محدثا ، ولكان غير سميع حتى سمع ، وغير بصير حتّى أبصر ، ولم يدرك حتّى أدرك. وحاشا لله من هذا ، فكل هذا بمعنى العلم ، ولا مزيد.
فإن قيل : فإنّ الله تعالى يقول : (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ ما يَشاءُ وَيَخْتارُ) [سورة القصص : ٦٨].
قلنا : نعم. وخلق الله تعالى : فعل له محدث ، واختياره تعالى هو خلقه لا غيره. وليس هذا من «يسمع» و «سمع» و «يرى» و «يدرك» في شيء ، لأنّ معنى كل هذا ومعنى العلم سواء. ولا يجوز أن يكون معنى «يخلق ويختار» معنى العلم.
وأمّا العفوّ ، والغفور ، والرحيم ، والحليم ، والملك ، فلا يقتضي وجود شيء من هذا وجود مرحوم معه ، ولا معفوّ عنه ، مغفور له معه ، ولا مملوك مرحوم عنه معه ، بل هو تعالى : رحيم بذاته ، عفوّ بذاته ، غفور بذاته ، ملك بذاته ، مع النص الوارد بأنه تعالى كان كذلك ، وهي أسماء أعلام له عزوجل.
__________________
(١) رواه من حديث أبي هريرة : البخاري في فضائل القرآن باب ١٩ ، والتوحيد باب ٣٢. ومسلم في صلاة المسافرين وقصرها حديث ٢٣٢ و ٢٣٤. وأبو داود في الوتر باب ٢٠. والنسائي في الافتتاح باب ٨٣. والدارمي في الصلاة باب ١٧١ ، وفضائل القرآن باب ٣٤. وأحمد في المسند (٢ / ٢٧١ ، ٢٨٥ ، ٤٥٠).