قال أبو محمد : لقد قصروا من طريق النص ومن طريق العقل أيضا عن أصولهم فأين لهم عن النفس ، والجلال ، والإكرام ، والجبروت ، والكبرياء ، واليدين والأعين ، والأيدي ، والقدم ، والجنب. والقوة ..؟
فهذه كلها منصوص عليها كالعلم والقدرة ، وأين هم عن : الحلم من حليم والكرم من كريم ، والعظمة من عظيم ، والتوبة من تواب ، والهبة من وهّاب ، والقرب من قريب ، واللطف من لطيف ، والسعة من واسع ، والشكر من شاكر ، والمجد من مجيد ، والودّ من ودود والقيام من قيوم ..؟ ـ وهذا كثير جدّا ويتجاوز أضعاف الأعداد التي اقتصروا عليها بتحكيمهم بالضلال والإلحاد في أسمائه عزوجل.
وقد زاد بعضهم فيما ادعوه من صفات الذات : الاستواء ، والتكليم ، والقدم والبقاء.
ورأيت للأشعري في كتاب المعروف بالموجز ، أن الله تعالى إذ قال : (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنا) [سورة الطور : ٤٨].
إنما أراد عينين. وبالجملة فكل من لم يخف الله عزوجل فيما يقول ، ولم يستح من الباطل لم يبال بما يقول. وقد قلنا : إنه لم يأتي نص بلفظ الصفة قط بوجه من الوجوه لأن الله تعالى أخبرنا بأن علما وقوة ، وكلاما ، وقدرة ، وهذا كله حق لا يرجع منه إلى شيء غير الله تعالى أصلا. وبه نتأيد.
قال أبو محمد : ويقال لهم : إنما سمّي الله تعالى «عليما» لأنّ له علما ، وحكيما لأن له حكمة ، وهكذا في سائر أسمائه. وادّعى أن الضرورة توجب ألّا يسمّى عالما إلا من له علم ، وهكذا في سائر أسمائه. وادّعى أن الضرورة توجب ألّا يسمّى عالما إلا من له علم ، وهكذا في سائر الصفات إذا قستم الغائب بزعمكم تريدون الله عزوجل على الحاضر منكم ، فبالضرورة ندري أنه لا علم عندنا إلّا ما كان في ضمير ذي خواطر وفكر تعرف به الأشياء على ما هي عليه.
فإن وصفتم ربكم تعالى بذلك ألحدتم ولا خلاف في هذا من أحد ، وتركتم أقوالكم ، وإن منعتم من ذلك : تركتم أصلكم في اشتقاق أسمائه تعالى من صفات فيه.
وأيضا : فإنّ حكيما ، وعليما ، ورحيما ، وقديرا ، وسائر ما جرى هذا المجرى لا يسمى في اللغة إلّا نعوتا وأوصافا ، ولا تسمّى أسماء البتة.
وأما إذا سمّي الإنسان حكيما أو حليما أو حيا ، وكان ذلك اسما له فهي حينئذ أسماء أعلام غير مشتقة بلا خلاف من أحد. وكل هذه فإنما هي لله عزوجل أسماء بنصّ القرآن ، ونص السنة والإجماع من جميع أهل الإسلام.