فإن قالوا : إن الحي يقتضي أن له حياة.
قلنا لهم : والحي يقتضي أنه جسم ، وهكذا أبدا.
فإن قالوا : إنه تعالى قال : (وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ) [سورة الفرقان : ٥٨] ـ فوجب أن يكون له حياة.
قيل لهم : وإن وجب هذا ـ فقال تعالى : (لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ) [سورة البقرة : ٢٥٥].
فقولوا : إنه تعالى يقظان.
فإن قالوا : لم ينصّ تعالى على أنه يقظان.
قيل لهم : ولا نصّ على أن له حياة.
فإن قالوا : الحيّ يقتضي حياة.
قيل لهم : ومن ليس نائما ، ولا وسنان فهو يقظان. ولا فرق.
ويقال لهم : أخبرونا ما ذا نفيتم عنه تعالى بإيجاب الحياة له ..؟ أنفيتم عنه بذلك الموت المعهود والمواتية المعهودة ، أم موتا غير معهود ، ومواتية غير معهودة ..؟ ولا سبيل إلى قسم ثالث.
فإن قالوا : ما نفينا عنه إلّا الموت المعهود ، والمواتية المعهودة.
قلنا لهم : إنّ الموت المعهود والمواتية المعهودة لا ينتفيان البتة إلّا بالحياة المعهودة ، التي هي الحسّ والحركة الإراديان. وهذا خلاف قولكم ، ولو قلتموه لأبطلنا قولكم بما أبطلنا به قول المجسمة.
وإن قال : ما نفينا عنه تعالى إلّا موتا غير معهود ، ومواتية غير معهودة.
قلنا لهم وبالله تعالى التوفيق : هذا لا يعقل ، ولا يتوهم ، ولا قام به دليل ولا يجوز أن ينتفي ما ذكرتم بحياة يقتضيها اسم الحي المعقول ، وهكذا نقول في قولهم : سميناه تعالى سميعا لنفي الصمم ، وبصيرا لنفي العمى ، ومتكلما لنفي الخرس.
قلنا لهم : هل نفيتم بذلك كله الخرس المعهود ، والصمم المعهود ، والعمى المعهود ، أم صمما لا يعهد ، وعمى غير المعهود ، وخرسا غير المعهود؟
فإن قالوا : نفينا المعهود من كلّ ذلك.
قلنا : إنّ الصمم المعهود لا ينتفي إلا بالسمع المعهود ، الذي هو بأذن سالمة ، والعمى المعهود لا ينتفى إلّا بالبصر المعهود ، الذي هو حدقة سالمة ، والخرس المعهود لا ينتفي إلّا بالكلام المعهود الذي هو صوت من لسان وحنك وشفتين.