كان هكذا فهو باطل بيقين لا مرية (١) فيه ، وكل ما ذكرت عنه نبوة في الهند والمجوس والصابئين واليهود والنصارى والمسلمين فلم يختلفوا في أن الله تعالى إنما أحدث الناس من ذكر وأنثى ، وما جاء هذا المجيء فلا يجوز الاعتراض عليه بالدّعوى. وإنما اختلف عنهم في الأسماء فقط وليس في هذا معترض لأنه قد يكون للمرء أسماء كثيرة فلم يمنع من هذا مانع وبالله تعالى التوفيق.
قال «أبو محمد» (رضي الله عنه) : فلم نجد عندهم في ذلك معارضة أصلا ، وما علمنا أحدا من المتكلمين ذكر هذه الفرقة أصلا.
قال «أبو محمد» وقلت له في خلال كلامي معه : أترى العالم إذ خرج دفعة أخرج فيه الحوامل يطلقن ، والطباقون (٢) قعودا على أطباقهم يبيعون التين والسّرقين (٣)؟ فضحك وعلم أني سلكت به مسلك السخرية في قوله لفساده ، وقال لي : نعم. فقلت : ينبغي أن يكونوا كلهم أنبياء يوحى إليهم أولهم عن آخرهم بما هم عليه من العلوم والصناعات ، أو يلهمون ذلك.
وفي هذا من بطلان الدّعوى ما لا خفاء به.
وكان مما اعترض به : أن ذكر الجزائر المنقطعة في البحار ، وأنه يوجد فيها النمل والحشرات ، وكثير من الطير ، وكثير من حشرات الأرض ، فقلت : إن كل ذلك لا ينكر ذو حس دخوله في جملة رحالات المسافرين الداخلين إلى تلك البلاد فقد شاهدنا دخول الفئران في جملة الرحل كذلك ، وليس في ذلك ما يوجب ما ذكرت أصلا. مع أن الحيوان نوعان ، نوع متولد (٤) يخلقه الله تعالى من عفونات الأبدان ، وعفونات الأرض ، فهذا لا ينكر تولده بإحداث الله تعالى له في كل حين.
وقسم آخر متوالد (٥) قد رتب الله تعالى في بنية العالم أنه لا يخلقه إلّا عن منيّ ذكر وأنثى ، فهذا هو الذي صار في تلك الجزائر عن دخول المسافرين إليها بلا شك وبالله تعالى التوفيق.
وما ننكر في كل نوع ما عدا الإنسان أن يخلق الله منه أكثر من اثنين ، فهذا
__________________
(١) المرية : الشكّ.
(٢) يقال : طبّق الجازر : أصاب الطّبق ، وهو المفصل (المعجم الوسيط : ص ٥٥٠).
(٣) السرقين (بكسر السين) ، ويقال أيضا السّرجين : الزبل (المعجم الوسيط : ص ٤٢٥ ، ٤٢٨).
(٤) أي من نفسه.
(٥) أي من حيوان آخر.