واما الذاتي في المقام فليس المراد منه ذاتي باب الكليات ، لوضوح انّ محمولات المسائل ليست جنسا للموضوع ولا فصلا له ، ولا ذاتي باب البرهان ، إذ ليست المحمولات بيّنة الثبوت للموضوع بأجمعها ، بل المراد منه ما يكون عروضه بلا واسطة ، وفي مقابله الغريب أي ما يكون عروضه مع الواسطة.
فالمقسم لهذا التقسيم انما هو خصوص العوارض لا الذاتيات.
ثم انه ليس المراد من الواسطة في المقام الواسطة في الثبوت أي علّة الوجود ، لأن المحمولات في مسائل غالب العلوم تكون حادثة ومحتاجة إلى العلم.
نعم ربما يكون ثبوت بعض المحمولات لموضوعاتها غير محتاج إليها كجملة من مباحث الفلسفة العالية ، فمثلا ثبوت الإمكان للماهيات غير محتاج إلى العلّة والواسطة في الثبوت ، إلّا انه في الغالب تكون محتاجة إليها.
ولا الواسطة في الإثبات أي علّة العلم بالشيء ، فانّ مسائل العلوم غالبا لا تكون من البديهيات ، وإلّا لعرفها كل أحد.
بل المراد من الواسطة هو الواسطة في العروض ، فانّ اسناد جملة من المحمولات إلى بعض الموضوعات يكون إسنادا حقيقيا ، وإلى البعض الآخر إسنادا مجازيا ، كما في اسناد المناعة إلى زيد في قولك «زيد منع جاره» مثلا ، نعم اسناد مناعة الجار إليه يكون حقيقيّا.
وقد قالوا : بأنه لا بدّ وان يكون البحث في كل علم عن عوارض موضوعه التي تكون من قبيل الأول دون الثاني ، ولذا لو فرضنا انّ الموضوع لعلم كان هو الميزاب فالبحث عن الجريان في ذلك العلم لا يكون من مسائله ، لأنّ اسناد الجريان إلى الميزاب يكون مجازيا وإلى غير من هو له.
وبالجملة نقول في بيان العرض الذاتي والغريب : انه تارة : يعرض الشيء على موضوع بلا واسطة في العروض أصلا كعروض العلم والإدراك على النّفس