السجان ، وبذلك خرج عن قدرته واختياره ، أو بإرسال حاكم إلى البلد وتفويض أمر البلد إليه بحيث لا يتدخل السلطان في أفعاله وأحكامه وتصرفاته ولو كان قادرا على عزله كما كان ذلك متعارفا في زمان الاستبداد ، وامّا الأمر بين الأمرين ، فمثاله ما إذا فرضنا انّ إنسان مصاب بالفلج لا يقدر على الحركة أصلا ، ولكن أوصل الطبيب السلك الكهربائي إلى يده فتحركت ما دامت متّصلة بالسلك ، فانّ المريض بعد ذلك يكون مختارا في أفعاله إلّا انّ إفاضة القدرة عليه يكون من السلك آناً فآنا ، ففي كل آن هو غير مستغن عن الطبيب ومهما رفع الطبيب يده عن «سويج» الكهرباء تفلج يد المريض وتسقط عن الحركة ، وفي هذا الفرض لو فعل المريض فعلا بلا مسامحة يكون الفعل مستندا إلى المريض لصدوره عن مشيئته واختياره ، ويستند إلى الطبيب أيضا ، لأنه كان بإفاضة القدرة عليه آناً فآنا ، وافعال العباد كلها من هذا القبيل ، فانّ الإنسان غير مستغن عن المؤثر دائما.
والحاصل : أصول الأقوال في المقام أربعة :
الأول : ما ذهب إليه أكثر الفلاسفة من انّ الأفعال الاختيارية معلولة للإرادة ، فهي إرادية غير انّ الإرادة تنتهي إلى ما ليس بالاختيار فهي غير اختيارية.
الثاني : ما ذهبت إليه الأشاعرة من انّ الأفعال كلها مخلوقة لله تعالى ، وليس لقدرة العبد واختياره تأثير فيها أصلا ، وانّ العبد معرض ومحل للفعل نظير الجسم الّذي يعرضه السواد ، وانما الفرق بينهما في انّ خلق الفعل في الإنسان يكون مقارنا لقدرته بخلاف خلق السواد في الجسم.
الثالث : ما ذهب إليه المعتزلة من استغناء العباد في أفعالهم عن المؤثر ، وانهم لا يستمدون فيها من الله تعالى وان كان إيجاد مبادئ الفعل فيهم ابتداء من الله ، وهو قادر على إعدام ما أوجده فيهم من المبادئ إلّا انه بعد ما أعطاهم الحياة والقدرة