كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ)(١) وأمثال ذلك فهو الفعل ، والمفروض انه غير اختياري ، ولذا ذكر بعضهم انه معنى لا يعقل ولا يمكن بيانه ، وقد وجهه بعضهم بوجهين :
أحدهما ـ انّ العقاب يكون على تقارن الفعل مع القدرة.
وفيه : انّ التقارن غير اختياري أيضا ، وليس العقاب عليه إلّا كالعقاب على تقارن أمر غير اختياري مع قصر قامة العيد أو سواد وجهه.
ثانيهما ـ ما ذكره الباقلاني من انّ العقاب والثواب يكون على الإطاعة والعصيان ، فانّ للفعل حيثيتين ، فانه بما هو فعل مخلوق لله تعالى وبما هو إطاعة أو عصيان يوجب الثواب أو العقاب.
وفيه : انّ الإطاعة والعصيان ليسا إلّا عنوانين انتزاعيين ولا حقيقة لهما إلّا بمنشإ انتزاعهما ، فالإطاعة تنتزع عن انطباق المأمور به على المأتي به والمعصية عن انطباق المنهي عنه عليه ، ولا معنى للعقاب على ذلك.
وبعبارة أوضح : ان كانت الإطاعة أو العصيان فعلا مستقلا فننقل الكلام فيها ، إذ لو كانت مخلوقة للعبد يلزم الشرك المتوهم عند الأشعري ، ولو كانت مخلوقة لله فالعقاب لما ذا؟
وان أريد من الكسب الإرادة والاختيار فننقل الكلام في ذلك ونقول : ان كان الاختيار فعلا نفسانيا مخلوقا للعبد فقد وقع المحذور وهو الشرك المتوهم عنده ، وعليه فلما ذا لم يكن أصل الفعل مخلوقا للعبد؟! وان كان هو أيضا فعل الله تعالى فالعقاب عليه أيضا ظلم قبيح.
الجواب الثاني : عن إشكال الظلم هو إنكارهم الحسن والقبح في الأفعال
__________________
(١) البقرة ـ ٢٨٦.