وأما الاختيار فهو بمعنى طلب الخير أو قبوله ، والروايات أيضا تساعد ما ذكرنا ، ففي بعضها سأل الإمام عليهالسلام عن الراوي : (أتقول افعل ذلك ، ثم إن شاء الله قال : نعم ، فقال عليهالسلام : أتقول افعل ان علم الله ، قال : لا) ، فيظهر من بيانه عليهالسلام انّ الإرادة انما هي بمعنى المشيئة التي هي من أفعاله تعالى لا صفاته ، ثم انّ المشيئة أعني إعمال القدرة بنفسها مقدورة ، والفعل المترتّب عليها مقدور بسببها ، وقد أشير إلى ذلك في قوله عليهالسلام : (انّ الله خلق المشيئة بنفسها ثم خلق الأشياء بالمشيئة) فظاهره ان المشيئة بنفسها مقدورة وسائر الأفعال بها ، ومن الغريب ما حكاه في الوافي عن المير الداماد من تفسيره الرواية بأنّ المراد انه تعالى خلق مشيئة العباد بنفسها ثم خلق سائر الأفعال بها ، ولا ندري بأي وجه استظهر ذلك من الرواية.
وكيف كان لم يرد دليل على انّ الإرادة تجيء بمعنى الشوق المحرّك للعضلات ، لنقع في محذور الجبر ، بل المحرك للعضلات هو النّفس والروح.
ثم لا يخفى انّ المشتاق إليه حقيقة وما هو المقصود واقعا انما هو الفعل الجوارحي ، وأما قصده والعزم أو الجزم والبناء عليه وغير ذلك من الأفعال الجوانحية فليست مقصودة بالاستقلال ، وانما هي أمور آلية نظير الواجب النفسيّ أو الغيري ، ولذا كثيرا ما تكون مغفولا عنها ، فنريد أن ندعي انّ الفعل الجوارحي الاختياري ما يكون مسبوقا بالعلم والقدرة ، وهذا هو الميزان في الاختيارية وغيرها.
ثم انّ هنا للأشعري شبهة ثالثة ، حاصلها : ان الإرادة الأزلية لو كانت متعلقة بصدور الفعل من العبد فيصدر لا محالة ، وان كانت متعلقة بعدم صدوره فلا يصدر بالضرورة ، وهذه الشبهة هي التي ذكرها المحقق الخراسانيّ (١) فأجاب عنها بأنّ
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٠٠.