المعاصي من غير اختياره ، مثلا يكون أحد الناس ابن عالم عادل ويربّى في بيت العبادة ويكون الآخر ابن فاسق ويربّى في بيت لا يرى فيه إلّا المعصية وأنحاء الفسوق فبحسب طبعه يميل الأول إلى الطاعة ويأنس بها ، والثاني إلى المعاصي ويأنس بها ، ولكن كل ذلك لا ينافي الاختيار في الأفعال ولا يستلزم الجبر.
وبالجملة نحن لم ندع كون الأفعال بجميع مباديها اختيارية ، ولم ننكر كون أغلب مبادئ الفعل خارجا عن تحت اختيار المكلّف ، وكيف يمكننا ذلك مع ما نشاهده من خلافه وجدانا ، ولكن نريد ان ندّعي انّ ذلك لا ينافي الاختيار فمن تهيّأ له مجموع مقدّمات الطاعة يكون متمكّنا من المعصية والطاعة ، وهكذا العكس ، فتهيئة أسباب الخير أو الشرّ لا يسلب اختيار العبد ، وهذا واضح جدّاً.
وكيف كان فالرواية تشير إلى الصفات والملكات التي يناسب بعضها الطاعة وبعضها العصيان.
وأما الرواية الثانية المرويّة في الخصال ومضمونها «السعيد سعيد في بطن أمّه ، والشقي شقيّ في بطن أمّه» فمن الواضح انه ليست السعادة أو الشقاوة ذاتية للإنسان من قبيل ذاتي كتاب الكلّيات ، إذ ليست جنسا له ولا فصلا ، ولا من قبيل ذاتي كتاب البرهان ، لأنّ السعادة والشقاوة انما تنتزعان عن جري العبد على طبق أوامر مولاه ونواهيه بعد ثبوت التكاليف عليه ، فلا معنى لكونهما ذاتيين للعبد في بطن أمه.
فان قلنا : بثبوت عالم الذر وخلق الأرواح بأجمعها في ذلك العالم وتكليفهم بالايمان كما هو مقتضى جملة من الأخبار ، فعليه لا إشكال في مفاد الرواية لحصولهما له بالاكتساب والاختيار في ذاك العالم.
وان لم نقل به ، فاما ان يراد من السعادة والشقاوة أسبابهما القريبة من الصفات والملكات ونحو ذلك ، أو يراد منهما كتابتهما في لوح المحو والإثبات أو