وكيف كان فقد ذهب صاحب الكفاية رحمهالله (١) إلى إمكان ذلك أيضا.
وقد أفاد في وجهه بما وحاصله : انّ الأمور الخارجية يستحيل دخلها بما هي خارجية في الأفعال الاختيارية وإلّا لخرجت عن الاختيارية فيما إذا كانت تلك الأمور خارجة عن الاختيار ، بل المؤثر في الفعل الاختياري انما هو الأشياء بوجوداتها العلمية ، أي لحاظها ، ولذا كثيرا ما يتخلف من الطرفين ، مثلا يكرم زيدا باعتقاده انه هو الّذي أكرمه سابقا والحال انه لم يكن ذاك الشخص ، وربما ينعكس الأمر ، فالمؤثر انما هو الوجود العلمي ، وكما يمكن تعلق العلم واللحاظ بالوجود المقارن يمكن تعلقه بالأمر السابق أو المتأخر ، مثلا يكرم زيدا بلحاظ انه كان قد أكرمه سابقا ، أو يكرمه باعتقاد انه يعطيه المال بعد ذلك ، ومن الواضح انّ الأحكام من الأمور الاختيارية ، فلا يؤثر فيها الأمور الخارجية ، وانما المؤثر فيها هو اللحاظ ، فيلحظ البيع المتعقب بالإجازة فيحكم بكونه موردا للملكية.
وبالجملة : ارجع صاحب الكفاية شرائط الحكم بأجمعها إلى شرطية اللحاظ ، بدعوى : استحالة دخل الأمور الخارجية في الأفعال الاختيارية سوى ما يكون دخيلا في القدرة عليها ، نظير دخل الحبل الخارجي في الاستقاء ، والشاهد عليه ما نراه من التخلف من طرفين.
ونقول : ما أفاده وان كان متينا في نفسه ، إلّا انه لا يرتفع به الإشكال ، وذلك لأنّ للحكم بأيّ معنى كان مقامين : مقام الجعل ، ويعبر عنه بمقام الإنشاء. ومقام المجعول المعبر عنه بمرحلة الفعلية.
والحكم في مقام جعله كما أفاده لا يعقل ان تكون الأمور الخارجية بوجوداتها الواقعية دخيلة فيه ، وانما المؤثر فيه هو الأمور النفسانيّة من التصور
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ١٤٦.