الفصول.
اما أصل الواجب المعلّق ورجوع القيد إلى الواجب دون الوجوب ، فهو بمكان من الإمكان بعد ما عرفت من انّ الوجوب ليس إلّا اعتبار اللابدية على ذمّة المكلف ، فقد أجاد صاحب الفصول في تصوير الواجب المعلّق وبيان إمكانه ، إلّا انه أخطأ في جعل المقسم الواجب المطلق ، فانّ الوجوب المتعلق بأمر استقبالي لا محالة يكون مشروطا بالبلوغ والقدرة والعقل في ظرف العمل بل بمجيء ذاك الزمان. فوجوب الحج مثلا مشروط بكون المكلف في الموسم بالغا عاقلا حيا قادرا على الإتيان بالمناسك ، ومشروط بمجيء زمان الحج ، ولذا لو جنّ المكلف في الموسم أو مات قبل ذلك يكشف عن عدم وجوبه عليه من أول الأمر. فلا يجب أخذ النائب عنه.
فالصحيح في التقسيم ان يقال : انّ الواجب المشروط بالنحو المتعارف تارة : يكون مشروطا بشرط مقارن ، ولا كلام لنا فيه ، وأخرى : يكون مشروطا بشرط متأخر على النحو الّذي بيناه بان يكون تحقق الشرط في ظرفه كاشفا عن فعلية الوجوب من أول الأمر ، وعليه ففيما كان القيد امرا خارجا عن اختيار المكلف ، تارة : يكون القيد قيدا للواجب أيضا وهذا معنى الواجب المعلّق ، وأخرى : لا يكون قيدا للواجب ، فالمقسم لهذا التقسيم انما هو الواجب المشروط بالشرط المتأخر لا الواجب المطلق ، إذ يستحيل ان لا يكون الوجوب المتعلق بالأمر المتأخر مشروطا بتحقق ذاك الزمان أو ذاك القيد كما عرفت.
والحاصل : انّ الالتزام بالواجب المعلّق مستلزم للالتزام بالشرط المتأخر ، وذلك لأنّ الأمر المتأخر الغير الاختياري لو كان قيدا للواجب لا بدّ وان يكون تحققه قيدا للوجوب أيضا بنحو الشرط المتأخر ، فالمعلّق قسم من المشروط لا من المطلق.