ومن ثمّ ذكر المحقق النائيني قدسسره (١) انّ مجرد التأخر مع كون القيد المتأخر اختياريا لا يوجب سلب اختيار المكلف وقدرته على إيجاد المتأخر ، لأنّ المقدور بالواسطة مقدور ، كالصلاة مع الطهارة بالإضافة إلى غير المتطهر ، فانها متأخرة عن الزمان الّذي يتطهر فيه ومع ذلك تكون مقدورة للمكلف ، ففصّل بين ما إذا كان القيد المتأخر مقدورا ، وما إذا كان غير مقدور.
ولذا عدل إلى التقريب الثاني وحاصله : انّ المقيد بالزمان المتأخر حيث انّ قيده خارج عن اختيار المكلف ، ولا يعقل تعلق الإرادة التكوينيّة من المولى والعبد به ، فالمقيد أيضا كذلك.
هذا ونقول : امّا المقدمة الثانية ، فيرد على التقريب الأول انه ما المراد من الإرادة؟ والمحتمل فيها في المقام امران : فان أريد بها الشوق النفسانيّ الّذي هو من صفات النّفس فهو يتعلق بأمر متأخر بلا إشكال ، كما يتعلق بالأمر الغير المقدور كما هو ظاهر ، وان أريد بها الاختيار وتحريك العضلات فلا يعقل تعلقها بأمر متأخر كما يستحيل تعلقها بغير المقدور.
وبهذا ظهر الحال في التقريب الثاني ، فانه لو أريد من الإرادة الشوق فيمكن تعلقه بغير المقدور كما يمكن تعلقه بالأمر المتأخر ، وان أريد بها الاختيار فهي وان امتنع تعلقها بغير المقدور ، إلّا انه يستحيل تعلقها بالأمر المتأخر أيضا وان كان قيده اختياريا كالمثال المتقدم ، فلا وجه للتفصيل الّذي ذكره المحقق النائيني قدسسره ، هذا كله في المقدمة الثانية.
واما المقدّمة الأولى ، فلا بدّ أولا من السؤال عن ما يراد من الإرادة التشريعية؟ فان أريد بها الشوق النفسانيّ المتعلق بفعل الغير فتعلقه بالأمر المتأخر
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٤٠ وما بعدها.