عرفت من كون الإطلاق في كل منهما مستفادا من مقدمات الحكمة فلا ترجيح لأحدهما على الآخر أصلا ، كما انّ نسبة المقيد إلى كل منهما نسبة واحدة.
فتحصل مما ذكر انّ في امتثال المقام لا يمكن تقديم أحد الإطلاقين على الآخر ، والوجوه التي ذكرت لا تثبت شيئا ، فبعد قيام العلم من الخارج على تقييد أحد الإطلاقين حيث انّ القرينة منفصلة على ما هو المفروض يسقط كلا الإطلاقين عن الحجّية.
ومنه يعلم انّ ما أفاده النائيني وصاحب الكفاية من انه لو وقعت المعارضة بين العام والمطلق قدم العام ، لأنّ دلالته بالوضع بخلاف دلالة المطلق فانّ ظهوره انما هو بمقدمات الحكمة التي لا تجري فيما إذا كان العام قابلا للبيانية غير صحيح وذلك لأنّ صاحب الكفاية ذهب إلى انّ أداة العموم لا تدل إلّا على تسرية الحكم إلى افراد مدخوله ، ولا تكون متكفلة لإثبات ما أريد من المدخول سعة وضيقا إطلاقا وتقييدا. فقولنا : «أكرم كل عالم» لا يدل إلّا على وجوب إكرام كل فرد من افراد ما أريد من الدخول ، فان أراد المتكلم منه مطلق العالم فالعموم يسري إلى جميع افراده ، وهكذا. فإطلاق المدخول لا بدّ وان يستفاد من مقدمات الحكمة ، وامّا نفس الأداة فلا تكون متكفلة لذلك ، هذا هو الّذي ذكره في باب العام والخاصّ (١) ، وارتضاه النائيني قدسسره.
وعلى هذا فكون العموم مستفادا من مقدمات الحكمة امر مشترك بين العموم والإطلاق ، وعليه فلا وجه لتقديم العام على المطلق فيما إذا وقعت المعارضة بينهما ، إذ ليست المعارضة حينئذ إلّا بين إطلاقين كما هو واضح ، وهو إطلاق مدخول أداة العموم وإطلاق المطلق ، وليس بينه وبين نفس أداة العموم معارضة أصلا. بداهة انّ
__________________
(١) كفاية الأصول ـ المجلد الأول ـ ص ٣٣٤.