والإرسال (١) ، انتهى.
وفيه : أولا : قد عرفت ان المناسبة بين اللفظ والمعنى تكوينا مما لا دليل عليه في مقام الإثبات.
وثانيا : لا معنى للواسطة بين التكوين والجعل ، فانه لو كان للشيء مطابق في الخارج فهو من الأمور التكوينيّة ، وإلّا فهو من الأمور الاعتبارية.
وثالثا : ما المراد من الإلهام في المقام؟ ان أريد منه ان الله تعالى أعطى الإنسان قوة الإدراك وفهّمه كيفيّة استكشاف المجهولات ، وسهّل له مقدماته فهذا موجود بالقياس إلى مطلق المعلومات ، ولذا يقول جلّ شأنه : (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)(٢) فجميع المعلومات بالنهاية تنجلي إليه تعالى وان أريد ثبوت معنى آخر في الوضع غير ذلك فلا نتعقّله.
فالصحيح : ما ذكرناه ، وعليه فيكون معنى اللفظ ومدلوله إرادة تفهيم المعنى لا ذات المعنى ، وانسباق ذات المعنى إلى الذهن لا يكون مستندا إلى الوضع ، بل يكون من جهة أنس الذهن كما يكون ذلك ثابتا في موارد يقطع بعدم إرادته ، مثلا لو قال المتكلّم : رأيت أسدا في الحمام فلا يكون الحيوان المفترس مرادا له قطعا ولكن مع ذلك ينتقل الذهن إليه من جهة أنس الذهن بذلك ، فالدلالة الوضعيّة منحصرة بما عرفت ، والظاهر ان هذا هو مراد الشيخ النائيني قدسسره من كون الدلالة تابعة للإرادة ، وإلّا ففي الدلالة التصوّرية الناشئة من الأنس لا مجال لتوهم ذلك لعاقل فضلا عن مثله قدسسره.
ويشهد على المختار ان فعل الإنسان لا بدّ وان يتعلّق بما يكون مقدورا له ،
__________________
(١) أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١١ ـ ١٢.
(٢) العلق ـ ٥.