«التيمم أحد الطهورين» (١) وكلاهما صحيح ، فانّ الطهور تارة يستعمل فيما يتطهر به كما استعمل بذاك المعنى في الخبر الأول ، وأخرى يستعمل بمعنى الفعل الناشئ منه الطهارة وقد استعمل بهذا المعنى في الخبر الثاني ، وبهذين الخبرين يثبت الموضوع والصغرى أعني كون التيمم طهورا ، وإذا ثبت ذلك فيعمه إطلاق ما دل على محبوبية الطهارة كقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(٢) وغير ذلك.
نعم كونه طهورا انما هو في فرض عدم وجدان الماء كما هو واضح ، ولا ينافي ما ذكرناه شيء من الأحكام المخصوصة بالتيمم أصلا كما هو ظاهر.
الثاني : انه ولو سلّمنا الاستحباب الذاتي فيها إلّا انه يزول بعد ثبوت الوجوب الغيري لها ، فلا يبقى منشأ للعبادية.
وفيه : بعد الإغماض عما هو المختار من إمكان اجتماعهما كما نتعرض لبيانه في مورد مناسب ، انّ الاستحباب لا يزول حقيقة بالكلية بمجيء الوجوب ، وانما تتبدل المرتبة الضعيفة من الطلب إلى المرتبة القوية ، فالقربيّة تكون باقية على حالها.
الثالث : انه على هذا يلزم ان لا تكون الطهارة متحققة فيما إذا غفل الفاعل عن استحبابها النفسيّ ، ولم يقصده ، وقصد امرها الغيري ، فانه لا يكون حينئذ آتيا به على وجه القربة ، وقد نظّر كلامه بما إذا صلّى الظهر لا بداعي وجوبها بل بداعي مقدميتها لصلاة العصر.
وحيث انّ صاحب الكفاية كان ملتفتا إلى هذا الإشكال ذكر في المتن ما حاصله : انه يمكن حصول القربة بقصد امرها الغيري ، وذلك لأنه لا يدعو إلّا إلى ما كان مقدمة للواجب ، والمفروض انّ المقدمة هو العمل المأتي به بداعي امره
__________________
(١) الكافي ـ ج ٣ ـ ص ٦٤.
(٢) البقرة ـ ٢٢٢.