الاستحبابي النفسيّ فيكون قصده ثابتا بالإجمال ، ولذا أجاب عنه المحقق المذكور بأنه يستحيل ذلك ، فانه عليه في المرتبة السابقة لا بدّ وان يتّصف العمل بالعبادية ويقصد امره الاستحبابي النفسيّ ليتعلق به الأمر الغيري ويمكن قصده ، فقصد الأمر الاستحبابي لا محالة متقدم رتبة على الأمر الغيري فكيف يحصل به.
والإنصاف انّ هذا الإشكال وارد على هذا الجواب ولا يمكن التفصي عنه.
ومنها : ما ذكره النائيني (١) قدسسره من انه لا مانع من ان يكون الأمر الواحد عباديا من جهة وتوصّليا من جهة أخرى ، ومثّل لذلك بما إذا نذر المكلف ان يعطي درهما إلى زيد ويصلي ركعتين بنحو الانضمام لا الانحلال ، فانّ الأمر الواحد بوفاء النذر يكون توصليا بالقياس إلى الأول وتعبديا بالقياس إلى الثاني ، وذكر انّ ذلك بالنسبة إلى اجزاء الواجب غير واقع في الشريعة ، وامّا بالإضافة إلى الشرائط فهو متحقق ثابت ، فانّ الأمر بالصلاة من حيث الستر والاستقبال توصلي ومن حيث الطهارة تعبدي.
وفيه : ما قدمناه في مبحث التعبدي والتوصلي من انّ الشرائط والقيود لا تكون متعلقة للأمر ، ولذا قد تكون امرا خارجا عن الاختيار وإلّا لما أمكن اتصافها بالوجوب الغيري كما لا تتصف به الاجزاء. نعم التقيد يكون كالأجزاء متصفا بالوجوب النفسيّ ، واما ذات القيد فلا ، وعليه فينتفي الجواب من أصله.
والتحقيق ان يقال : في الجواب عن الإشكال انّ اعتبار القربة في الطهارات الثلاث ناشئ من نفس مقدميتها فانّ مقدميتها للصلاة ونحوها انما هي بجعل الشارع ، والشارع جعلها كذلك مقدمة لا ذواتها ، فهي مع قصد القربة مقدمة لها ، فذواتها تكون جزء من المقدمة لا تمامها ، نظير بعض اجزاء كل منها كغسل الوجه
__________________
(١) راجع أجود التقريرات ـ المجلد الأول ـ ص ١٧٤.