وبين المعنى الحقيقي ذاتا فعدم الحاجة إليه في المقام بطريق أولى ويؤيد ذلك صحّة استعمال الألفاظ المهملة في شخصها ونوعها وصنفها ، بان يقال : ديز لفظ أو ثلاثي ، والالتزام بثبوت الترخيص فيها بعيد غايته لعدم تناهي المهملات ، وهذا ظاهر.
ثم انهم أشكلوا في استعمال اللفظ في شخصه ، فمنعه بعض وصحّحه في الفصول (١) بتأويل ، فانه لو كان اللفظ مستعملا في نفسه ودالا عليه يلزم اتحاد الدال والمدلول ، وإلّا فيلزم تركب القضية اللفظية من جزءين أي من المحمول والنسبة في مثل قولك : «زيد لفظ» ولذا ذهب في الفصول إلى تقدير لفظ «هو» ليكون مبتدأ ويندفع به المحذور.
ولنا كلام في جميع ما ذكر ويتضح ذلك ببيان أمرين :
الأول : ان الغرض من الاستعمال انما هو إحضار المعنى المقصود في ذهن المخاطب ، فإذا كان إحضار المقصود في ذهن السامع في مورد ممكنا من دون توسط لفظ أصلا فالاستعمال يكون لغوا.
وبعبارة أخرى : المعاني تكون على نحوين :
منها : ما لا يمكن إحضارها في ذهن السامع إلّا بتوسط اللفظ كما في المعقولات الثانوية ونظائرها.
ومنها : ما يمكن إيجادها من دون ذلك بتوسط إشارة ، أو إحضار فرد منه ، مثلا يرفع رقيّا ويريه إلى المخاطب ويقول ملك زيد والمقصود فيه يكون إحضار شخصه والحكم عليه أو يقول مبرد مثلا فيكون المقصود إحضار طبيعي الرقي والحكم عليه ، وربما يكون المعنى بنفسه من قبيل الألفاظ فبمجرد إيجاد اللفظ يوجد المعنى المقصود في ذهن السامع ، فلا حاجة فيه إلى استعمال اللفظ أصلا ، والمقام من
__________________
(١) الفصول ـ ص ٢٢.