وقد يكون الوحى إسراع الروح الإلهىّ بالإيمان بما يقع به الإخبار والمفطور عليه كلّ شيء ممّا لا كسب فيه من الوحى أيضا ، كالمولود يلتقم ثدى أمّه ، ذلك من أثر الوحى الإلهىّ إليه كما قال : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلكِنْ لا تُبْصِرُونَ)(١) ، (وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَلكِنْ لا تَشْعُرُونَ)(٢). وقال تعالى : (وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ)(٣) فلو لا أنّها (٤) فهمت من الله وحيه لما صدر منها ما صدر ، ولهذا لا تتصوّر معه المخالفة إذا كان الكلام وحيا ، فإن سلطانه أقوى من أن يقاوم ، (وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِ)(٥) ، ولذا فعلت ولم تخالف ، والحالة تؤذن بالهلاك ولم تخالف ولا تردّدت ، ولا حكمت عليها البشريّة بأن هذا من أخطر الأشياء ، فدلّ على أنّ الوحى أقوى سلطانا فى نفس الموحى إليه من طبعه الذى هو عين نفسه ، قال تعالى : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٦) وحبل الوريد من ذاته. فإذا زعمت يا ولىّ بأنّ الله أوحى إليك فانظر نفسك فى التردّد والمخالفة ، فإن وجدت لذلك أثر تدبير أو تفضيل أو تفكّر فلست بصاحب وحى ، فإن حكم عليك وأعماك وأصمّك وحال بينك وبين فكرك وتدبيرك وأمضى حكمه فيك ، فذلك هو الوحى ، وأنت عند ذلك صاحب وحى ،
__________________
(١) الآية ٨٥ سورة الواقعة.
(٢) الآية ١٥٤ سورة البقرة.
(٣) الآية ٦٨ سورة النحل.
(٤) فى ا ، ب : ما وما أثبت أوضح.
(٥) الآية ٧ سورة القصص.
(٦) الآية ١٦ سورة ق.
ومن هذه الآية إلى ما قبل بصيرة (وزن) سقط من نسخة ب.