وعلمت عند ذلك أنّ رفعتك وعلوّ مرتبتك أن تلحق بمن يقول إنّه دونك من حيوان أو نبات أو جماد ، فإن كلّ شىء مفطور على العلم بالله إلّا مجموع الإنس والجانّ ، فإنّه من حيث تفصيله منطو على العلم بالله كسائر ما سواهما من المخلوقات من ملك وحيوان ونبات وجماد ، فما من شىء فيه من شعر وجلد ولحم وعصب ودم وروح ونفس وظفر وناب إلّا وهو عالم بالله ، حتّى ينظر ويفكّر ويرجع إلى نفسه فيعلم أنّ له صانعا صنعه وخالقا خلقه ، فلو أسمعه الله نطق جلده أو يده أو لسانه أو عينه لسمعه ناطقا بمعرفته بربّه ، مسبّحا لجلاله ، مقدّسا لجماله (يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ)(١) الآية (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ)(٢) ، (وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا)(٣). فالإنسان من حيث تفصيله عالم بالله ، ومن حيث جملته جاهل بالله حتّى يتعلّم ، أى يعلم بما فى تفصيله ، فهو العالم الجاهل (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)(٤).
قال أبو القاسم الأصفهانىّ : الوحى : الإشارة السّريعة ، ولتضمّن السّرعة قيل : أمر وحىّ (٥) ، وذلك يكون بالكلام على سبيل الرمز (٦) أو التعريض (٧). وقد يكون بصوت مجرّد عن التركيب ، وبإشارة ببعض الجوارح وبالكتابة ، وقد حمل على كل ذلك قوله / تعالى : (فَأَوْحى إِلَيْهِمْ
__________________
(١) الآية ٢٤ سورة النور.
(٢) الآية ٦٥ سورة يس.
(٣) الآية ٢١ سورة فصلت.
(٤) الآية ١٧ سورة السجدة.
(٥) وحى : سريع.
(٦) الرمز : الصوت الخفى أو الإشارة بالشفة.
(٧) التعريض : خلاف التصريح وهو تورية فى القول ولحن بالكلام.