فى توبته إذا تاب إليه وجده غفورا رحيما ، والمتوكّل إذا صدق فى توكّله وجده كافيا حسيبا (١) ، والدّاعى إذا صدق فى الرّغبة إليه وجده قريبا مجيبا ، والمحبّ إذا صدق فى محبّته وجده ودودا حبيبا ، والملهوف (٢) إذا صدق فى الاستعانة وجده كاشفا للكرب مخلّصا منه ، والمضطرّ إذا صدق فى الاضطرار إليه وجده رحيما معينا ، والخائف إذا صدق فى اللجإ إليه وجده مؤمّنا من الخوف ، والراجى / إذا صدق فى رجائه وجده عند ظنّه به ، فمحبّه وطالبه ومريده ومن لا يبتغى (٣) به بدلا ولا يرضى بسواه عوضا إذا صدق فى محبّته وإرادته وجده أيضا وجودا أخصّ من تلك الوجودات ، فإنّه إذا كان المريد منه يجده فكيف مريده ومحبّه! فيظفر هذا الواجد بنفسه وبربّه ، أمّا ظفره بنفسه فتصير منقادة له ، مطيعة تابعة مرضاته ، غير أبيّة ولا أمّارة ، بل تصير خادمة له ومملوكة بعد أن كانت مخدومة مالكة. وأمّا ظفره بربّه فقربه منه وأنسه به ، وعمارة سرّه به ، وفرحه وسروره أعظم فرح وسرور. فهذا حقيقة اتصال الوجود.
وأمّا اتصال العلم والعمل قد يسمّونه اتّصال الاعتصام ، فهو بتصحيح القصد ، ثمّ تصفيته الإرادة ، ثم تحقيق الحال. وتصحيح القصد يكون بشيئين : إفراد المقصود ، وجمع الهمّ عليه ؛ وحقيقته توحيد القصد والمقصود ، فمتى انقسم قصده أو مقصوده لم يكن اتّصاله صحيحا. وأمّا تصفية الإرادة فهو تخليصها من الشوائب وتعلّقها بالسّوى (٤) أو بالأعراض ، بل
__________________
(١) حسيبا : كافيا يعطى للمرء من العلم والحفظ والجزاء مقدار ما يحسبه أى يكفيه.
(٢) الملهوف : المضطر أو المظلوم ينادى ويستغيث.
(٣) فى ب : يبغى.
(٤) السوى : الغير.