سُبُلَنا)(١) ، وقال عن أصحاب نبيّه : (الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)(٢) وقال : (الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ)(٣). وفى الصّحيحين حديث السبعين ألفا الذين يدخلون الجنّة بغير حساب : «هم الّذين لا يسترقون ولا يتطيّرون وعلى ربّهم يتوكّلون (٤)». وعن الترمذىّ يرفعه : «لو أنّكم تتوكّلون على الله حقّ توكّله لرزقتم كما يرزق الطّير تغدو خماصا وتروح بطانا» (٥).
ثمّ التّوكّل نصف الإيمان ، والنّصف الثانى الإنابة ، فالتّوكّل هو الاستعانة ، والإنابة هو العبادة.
(فصل) منزلة التوكّل من أوسع المنازل وأجلّها وأجمعها ، ولا تزال معمورة بالنازلين ، فلنذكر معنى التوكّل ودرجاته (٦).
قال الإمام أحمد رحمهالله : التوكّل عمل القلب ، ومعنى ذلك أنّه عمل قلبىّ ليس للجوارح فيه مدخل ، وهو من باب الإدراكات والعلوم. ومن الناس من يجعله من باب المعارف فيقول : هو علم القلب بكفاية
__________________
(١) الآية ١٢ سورة إبراهيم.
(٢) الآية ١٧٣ سورة آل عمران.
(٣) الآية ٢ سورة الأنفال.
(٤) أخرجه البزار عن أنس كما فى (الفتح الكبير) وتمامه : «هم الذين لا يكتوون ولا يكوون ولا يسترقون» الحديث.
(٥) أخرجه الإمام أحمد فى مسنده والترمذى فى صحيحه وابن ماجه والحاكم فى مستدركه عن عمر (الفتح الكبير) والرواية فى الفتح : «لو أنكم توكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير ...» الحديث.
(٦) فى كتاب إحياء علوم الدين للغزالى : قد أكثر الخائضون فى بيان حد التوكل واختلفت عباراتهم وتكلم كل واحد عن مقام نفسه وأخبر عن حده كما جرت عادة أهل التصوف به.