وأبغضه. وأيضا فالزاهدون فيها إنما ينظرون إليها بالبصائر (١) ، والرّاغبون ينظرون إليها بالأبصار ، فيتوحّش الزّاهد ممّا يأنس به الراغب كما قيل :
وإذا أفاق القلب واندمل الهوى |
|
رأت القلوب ولم تر الأبصار |
ولذلك [فإنّ](٢) الهمّة تحمله على الرّغبة فى الباقى لذاته ، وهو الحقّ سبحانه ، والباقى بإبقائه وهو الدّار الآخرة ، وتخلّصه وتمحّصه من آفات الفتور والتّوانى وكدوراتها التى هى سبب الإضاعة والتفريط.
والدّرجة الثانية : همّة تورث أنفة من المبالاة بالعلل والنّزول على العمل ، والثّقة بالأمل. والعلل هاهنا الاعتماد على الأعمال ورؤية ثمراتها ونحو ذلك ، فإنّها عندهم علل ، فصاحب هذه الهمّة تأنف (٣) همّته وقلبه من أن يبالى بالعلل ، فإنّ همّته / فوق ذلك ، ففكرته فيها ومبالاته بها نزول من الهمّة. وعدم هذه المبالاة إمّا لأنّ العلل لم تحصل له ؛ لأنّ علوّ همّته حال بينه وبينها فلا يبالى بما لا يحصل له ، وإمّا لأنّ همّته وسعة مطلبه وعلوّه تأتى على تلك العلل وتستأصلها ، فإنّه إذا علّق همّته بما هو أعلى منها تضمّنتها الهمّة العالية ، واندرج حكمها فى حكم الهمّة العالية. وهذا محلّ عزيز جدّا.
وأمّا الأنفة من النّزول على العمل فمعناه أنّ العالى الهمّة مطلبه فوق مطلب العمّال والعبّاد وأعلى منه ، فهو يأنف أن ينزل من سماء
__________________
(١) البصائر : جمع بصيرة وهى المعرفة والتحقق بالاعتبار.
(٢) فى ا ، ب : ولذلك همة الهمة وما أثبتناه بين القوسين تصويب للسياق على ما فهمناه.
(٣) فى ا ، ب : تأنف على بتشديد النون ، وتوجه على أنها بمعنى تأبى عليها وحذف على تقويم للسياق وهو ما ارتأيناه.