الآخرة والمعاد ، ورؤية الله جهرة عيانا ، وسماع كلامه حقيقة بلا واسطة ، فحظّ المؤمن منه فى هذه الدّار الإيمان به.
وعلم اليقين وحقّ اليقين يتأخّر إلى وقت اللّقاء ، لكنّ السّالك عند القوم ينتهى إلى الفناء ويتحقّق شهود الحقيقة ، ويصل إلى عين الجمع.
قال : حقّ اليقين هو إسفار صبح الكشف ، يعنى تحقّقه وثبوته وغلبة نوره على ظلمة ليل الحجاب ، فينتقل من طور العلم إلى الاستغراق فى الفناء عن الرّسم بالكلّيّة. وقوله ثمّ الخلاص من كلفة اليقين ، يعنى أنّ اليقين له حقوق يجب على صاحبه أن يؤدّيها ويقوم بها ويتحمّل / كلفها ومشاقّها ، فإذا فنى فى التّوحيد حصل له أمور أخرى رفيعة عالية جدّا يصير فيها محمولا بعد أن كان حاملا ، وظاهرا بعد أن كان ساترا ، فتزول عنه كلفة حمل تلك الحقوق. وهذا أمر التحاكم فيه إلى الذّوق والإحساس (١) ، فلا تذهب إلى إنكاره ، وتأمّل حال ذلك الصّحابىّ الّذى أخذ تمرات وقعد يأكلها على حاجة وفاقة إليها ، فلمّا عاين سوق الشهادة قد قامت ألقى قوته من يده وقال : إنها لحياة طويلة إن بقيت حتّى آكل هذه التّمرات وألقاها من يده ، وقاتل حتى قتل ، وكذلك أحوال الصّحابة رضى الله عنهم كانت مطابقة لما أشار إليه. لكن بقيت نكتة عظيمة ، وهى موضع السجدة ، وهى أنّ فناءهم لم يكن فى توحيد الرّبوبيّة (٢) وشهود الحقيقة التى يشير إليها أرباب الفناء ، بل فى توحيد الإلهيّة،
__________________
(١) فى ب : والأساس.
(٢) ساقطة فى ا.