قال المؤلّف :
ومن هذا النوع ما حكاه سبحانه وتعالى في خبر ذبح بني إسرائيل البقرة وقال :
(وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً ...* ... فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ* وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها وَاللهُ مُخْرِجٌ ما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ* فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى وَيُرِيكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ ...). (البقرة / ٦٧ ـ ٧٤)
فإنّ قوله تعالى (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيها) مقدّم زمانا على تمام ما جاء سابقا عليه ، إلى قوله تعالى : (فَذَبَحُوها وَما كادُوا يَفْعَلُونَ).
قال البغوي : (وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ) : هذا أوّل القصة وإن كانت مؤخرة في التلاوة (١).
وإذا أمعنّا النظر في الآيات الآنفة الذكر ، نرى أن الله ـ سبحانه ـ بعد ما ذكر تعنّت بني إسرائيل في تنفيذ ما أمرهم به ، أوجز القصّة أخيرا مع ذكره نهاية الأمر لأخذ العبرة منها في قدرته على إحياء الموتى ، ثمّ وصله بقوله لبني إسرائيل : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ).
ونبّه المسلمين بعد ذلك ألّا يطمعوا في إيمان بني إسرائيل بخاتم الأنبياء وشريعته مع حالتهم الّتي ذكرها مع نبيّهم موسى بن عمران (ع).
ومن هذا النوع ـ أيضا ـ ما قصّه سبحانه من خبر نوح مع ابنه وقال :
(وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ* قالَ سَآوِي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ إِلَّا مَنْ
__________________
(١) البرهان ٣ / ٢٧٦ ، وقوله هذا يسبب التوهّم بأنّ ترتيب نزول هذه الآية لم يراع في كتابة المصحف.