(لا خلاف أنّ كلّ ما هو من القرآن ، يجب أن يكون متواترا في أصله وأجزائه.
وأمّا في محلّه ووضعه وترتيبه ، فعند المحققين من علماء أهل السنّة كذلك ، أي : يجب أن يكون متواترا ، فإنّ العلم اليقينيّ حاصل أنّ العادة قاضية بأنّ مثل هذا الكتاب العزيز ، الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ، وأنّه الهادي للخلق إلى الحقّ ، المعجز الباقي على صفحات الدّهر ، الّذي هو أصل الدّين القويم ، والصراط المستقيم ، فمستحيل ألّا يكون متواترا في ذلك كلّه ، إذ الدواعي تتوافر على نقله على وجه التواتر ، وكيف لا ، وقد قال تعالى : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ) ، والحفظ إنّما يتحقّق بالتواتر ، وقال تعالى : (يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ).
والبلاغ العام إنّما هو بالتواتر ، فما لم يتواتر ممّا نقل آحادا ، نقطع بأنّه ليس من القرآن) (١).
__________________
(١) البرهان في علوم القرآن ٢ / ١٢٥ ، النوع التاسع والثلاثون : معرفة وجوب تواتره ؛ والإتقان ١ / ٧٩ ، في (تنبيهات الأوّل) من النوع الخامس والثلاثون.