وعلى ولديهما السيدين الإمامين الشهيدين ، وعلى سائر الطيبين من عترته ، وعلى أتباعهم الراشدين من الصحابة والتابعين ، وأتباعهم إلى يوم الدين من أهل ملته.
وبعد : فإنه لما كان علم الكلام هو أجل العلوم قدرا ، وأعظمها حظا ، وأكبرها خطرا (١) ، وأعمها وجوبا ، وأولاها إيثارا (٢) ، وأولها صدرا ، لكونه لبيان معرفة المليك البديع (٣) وتقديسا (٤) للعليم السميع ، من مشابهة الخلق الضعيف ، والجور القبيح السخيف ، وكثر في ذلك الخلاف والشقاق ، وقل فيه الائتلاف والاتفاق ، قال الله تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدىً وَلا كِتابٍ مُنِيرٍ) ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ (٥) أحببت (٦) أن أكشف المسوح (٧) عن ضئيل الأقوال في غيابات الظلم (٨) ، لإزاحته بإشراق ما حضرني من بدور أعلام خير الأمم ، وشموس احتجاج الذين وفقوا لإصابة الحق الأقوم من عترة النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بشهادة (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٩) وخبري السفينة ، وإني تارك فيكم ، طالبا
__________________
(١) خطرا : أي قدرا ومنزلة ، قال في الصحاح : والخطر : الإشراف على الهلاك ، يقال : خاطر بنفسه ، والخطر : السبق الذي يتراهن عليه ، وقد أخطر المال ، أي : جعله خطرا بين المتراهنين ، وخطر الرجل أيضا : قدره ومنزلته ، وهذا خطر لهذا ، أو خطير له : أي : مثله في القدر.
(٢) أولاها إيثارا : أحقها بالإيثار ، وهو التقديم.
(٣) البديع : أي المبتدع للأشياء من غير أصول أزلية ، ومذوت للذوات بعد أن لم تكن.
(٤) التقديس : التنزيه.
(٥) الحج : ٨ ـ ٩.
(٦) أحببت : جواب لما.
(٧) المسوح : الثياب السود الكثيفة الظلمة ، لا يستضاء ما غطته وراءها ، والمراد هنا : جهل الجاهلين ، والشبه التي زعموا أنها حجج وأدلة على أقوالهم ، والضئيل : الضعيف ، والذي لا يكاد يعتبر.
(٨) غيابة الشيء : غوره ، وما غاب منه عن عين الناظر ، وأظلم من أسفله.
(٩) الأحزاب : ٣٣.