قلنا : بل هي سبب التنوير الذي أراده الله تعالى بقوله : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً) (١) أي : تنويرا تفرقون به بين الحق والباطل ، فهي كالناهي لما كانت سببا لحصول التنوير الزاجر عن ارتكاب القبائح ، وذلك لم يخرجها عن كونها شكرا لله تعالى.
قالوا : وردت الشرائع على كيفيات مخصوصة ، ولا يقتضي ذلك (٢) نعمة السيد على عبده قلنا بل تقتضي الامتثال بفعلها ، ومطابقة مراده بتأديتها ولذلك وجبت ، فلو كانت لطفا لم تجب ؛ لأن الحكيم لا يوجب ما لا يجب.
قالوا : قد ثبت أنه لا يجوز العقاب ابتداء على الإخلال بها اللازم من شرعيتها.
قلنا : إنما لم يجز حيث لم يكن مأمورا بفعلها ، فلم يخلّ بالامتثال ، كما أن العبد إذا أخل بما لم يأمره به سيده لم يكن مخلا بالامتثال. وأيضا وردت الرسل صلوات الله عليهم مع مقارنة التخويف ، فلو كانت ألطافا كذلك لقبح التخويف ؛ لأن الألطاف ليست بواجبة (٣) ؛ إذ التخويف لا يكون إلا على واجب.
قالوا : إنما اقترنت بالتخويف لتجويز الجهل ببعض المصالح (٤).
قلنا : لم تخبر به (١) الرسل ، وإن سلم لزم القول بوجوب العلم على كل مكلف أنه لا بد من رسول كقولنا ؛ لينبئ عن الله تعالى بذلك المجهول إذا كان واجبا ؛ إذ لم
__________________
(١) الأنفال : ٢٩.
(٢) ذلك مفعول ، ونعمة فاعل.
(٣) قال في الشرح : والألطاف ليست بواجبة ، هكذا ذكره الهادي عليهالسلام ، لعله يريد عليهالسلام بقوله : الألطاف ليست بواجبة على المذهب الصحيح ، وأما المخالف فهو يقول : إن الألطاف واجبة على الله.
ولعل مراد الإمام عليهالسلام أن الألطاف وهي ما يقرب المكلف إلى فعل ما كلف به ليست بواجبة على المكلف ، وإنما الواجب عليه فعل ما كلف به ، وإن لم يفعل المقرب ، فإذا لم يكن واجبا على المكلف لم يحسن من الرسل التخويف عليه ؛ إذ التخويف لا يكون إلا على واجب فتأمل ، وليس المراد أنها غير واجبة على الله كما ذكر الشارح ، والله أعلم.
(٤) هذه حجة أبي هاشم على أبي القاسم البلخي ، وأنه لا بد أن يعرف بالنبوة ما لم يعرف بدونها.