ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) (١) ولم يفصل.
وقوله تعالى : (كانَ النَّاسُ أُمَّةً واحِدَةً) فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ (٢).
بيان الاستدلال بهذه الآية : أن (النبيين) عام لكل نبئ ، ونبيئنا صلىاللهعليهوآلهوسلم سيدهم ، والكتاب في قوله تعالى : (وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتابَ) عام بدليل أن الكتب مع الأنبياء كثيرة ، ونظيره قوله تعالى : (وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ) بدليل صحة الاستثناء ، والقرآن واسطة عقدها الثمين.
وقوله تعالى : (لِيَحْكُمَ) [الضمير] ـ عائد إلى الكتاب المفيد للعموم ، أي : لتحكم تلك الكتب بين الناس فيما اختلفوا فيه من الأحكام التي عرفت بالكتب ، بدليل قوله تعالى : (وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ) أي : المختلف فيه من بعد ما جاءتهم البينات من نصوص تلك الكتب وأماراتها الدالة على أعيان الأحكام ، فقال تعالى : (بَغْياً بَيْنَهُمْ) لما كان الحق مع بعضهم فبغي عليهم بالمخالفة والشقاق لهم بعد ما عرف أن الحق بأيديهم ؛ إما بما ذكرنا من النصوص والأمارات ، وإما بالنص على أن ذلك البعض هو الموفق لإصابة الحق ، نحو قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) (٣) ، وقوله صلىاللهعليهوآلهوسلم : (وإني تارك فيكم) الخبر ، حيث نور الله قلوبهم لما أطاعوه ؛ لقوله تعالى : (إِنْ تَتَّقُوا اللهَ يَجْعَلْ لَكُمْ
__________________
(١) الشورى : ١٣.
(٢) البقرة : ٢١٣.
(٣) الأحزاب : ٣٣.