وعن الثانية : التمكين من أملاكه مع خلق العقل المميز إذن ، كالممكن من أملاكه الناصب للعلامة فيما يؤخذ منها وما يترك (١) ، قال الله تعالى : (فَأَلْهَمَها) فُجُورَها وَتَقْواها (٢) أي : بما ركب فيها من العقول ولم يفصل. قالوا : قال الله تعالى : (وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) (٣) فدلت أن لا استحقاق (٤) للعقاب قبل ورود الشرع (٥).
والجواب ـ والله الموفق ـ : أن الآية لا تنافي ما ذهبنا إليه ؛ لأن المعنى : وما كنا معذبين بعد استحقاق العذاب بارتكاب القبائح العقلية ، بدليل قوله تعالى : (ذلِكَ أَنْ لَمْ يَكُنْ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ) وَأَهْلُها غافِلُونَ (٦) فأخبر الله سبحانه أنهم قد ارتكبوا القبح الذي هو الظلم ، وهم غافلون عن السمع ، حيث لم تبلغهم الرسل ، فقال تعالى : (حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) (٧) بأن يقولوا : حصل العلم بالاستحقاق ، ولم نجزم بالوقوع لعدم معرفتهم لربهم ، كمن يقتل نفسا (٨) على غفلة فإنه يعلم أن القصاص مستحق عليه ، ولا يجزم بوقوعه لتجويز أن لا يطلع عليه أحد ، فيقولون : لو أنذرنا منذر لأصلحنا ، بدليل قوله تعالى : (وَلَوْ أَنَّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ) لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ
__________________
(١) نخ (وما يترك منها).
(٢) الشمس : ٨.
(٣) الإسراء : ١٥.
(٤) نخ (فدلت هذه الآية على أنه لا استحقاق).
(٥) نخ ش (السمع).
(٦) الأنعام : ١٣١.
(٧) النساء : ١٦٥.
(٨) ش (عدوانا).